د. عبد الله المعيلي
يحتار كل من أنعم الله عليه بنعمة العقل في تفسير بعض الآراء والموقف التي لا يخفى حولها، لأنها خارج أطر العقل والمنطق، ولكونها أوضح من الشمس في رابعة النهار في التجني ولي الحقائق، فعندما يقف أحد من يعد نفسه مفكرًا أو داعية من أحداث تواتر عند العامة والخاصة معرفة صانعها ومغذيها ومؤيدها، ومع ذلك يتجاهل هذا كله، وينحى منحى آخر تعسفي ملتوٍ لهوى في نفسه ويحمل أطرافًا أخرى تبعات تلك الأحداث ووزرها، وهي التي ترفض هذه الأحداث بل تعدها من مسلمات ما يتعارض مع ثوابت إيمانها وقناعتها المبنية على أصول شرعية، ويا ليت الأمر يتوقف عند هذا، بل يتعداه إلى تبعات خطرة تجاه تلك الأطراف البريئة أصلاً من صناعة هذه الأحداث فضلاً عن تأييدها، تتمثل في استنتاجات تحمل هذه الأطراف مسؤولية صناعة هذه الأحداث وتغذيتها، وهي التي تعبر بلسان عربي مبين وتصف هذه الأحداث بأنها منكرة غادرة خارجة محاربة لله وللبشرية عامة.
ومن أبرز تلك الأحداث الكريهة، الإرهاب والتكفير و(داعش) وغيرها، الإرهاب صنيعة اختلال المعايير والموازين في التعامل مع القضايا الدولية التي لا يخفي تحيز الغرب فيها وظلمهم لأصحاب الحق الشرعيين والكيل فيها بمكيالين مختلفين، ومطابخ الظلام التي تبين أنها وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث أعلن أن إيران والخامنئي على وجه التحديد شاركوا في ذلك الحدث الرهيب الذي فنده الأمير نايف -رحمه الله- في حينه ورفض تحميل المملكة تبعاته، والتكفير بضاعة المعممين الذين يتبجحون بتكفير غيرهم علانية في حسينياتهم وقنواتهم، التي لم تعد خافية على أحد، أما «داعش»، فالحق ما شهدت به الأعداء، فقد سبق أن قال جون ماكين: إن الرئيس الأمريكي الحالي هو من صنع داعش وهو من يدعمها، وأكَّدت ذلك هيلاري كلينتون والمرشح للرئاسة الجمهوري ترامب، نطقت بذلك ألسنتهم وهي حجة دامغة في نحر كل من يكذب ويزور ويقلب الحقائق، ويصر بكل بجاحة على أن تراثنا الفكري والخطاب الديني هو من يؤجج تلك الأحداث ويغذيها.
وبعد هذا على بني جلدتنا الذين يجلدون العلماء والدعاة وخطباء المساجد، ويتهمون مدارس تحفيظ القرآن والمساجد، والتراث الفكري الأصيل، أن يتقوا الله في أقوالهم، ويصحوا من سباتهم، ويكفوا عن افتراءاتهم، ويضعوا سمعة وطنهم ومصلحته - إن كان في قلوبهم ذرة حب لوطنهم - فوق كل الاعتبارات والعداوات وشهوة السمعة والشهرة، مصلحة الوطن لا مساومة عليها، وهي خط أحمر لا يحق لكائن من كان أن يقترب من حماه، فضلاً عن أن يجاهر بمعاداته ويتجنى عليه بخطل فكره وتفكيره.
غالبًا ما تكون الأمور واضحة جلية لا تحتاج إلى دليل أو برهان لإثباتها، يدركها كل من وهبه بصرًا وبصيرة وفطرة سليمة من شهوات النفس، وانحراف العقل، واتباع الهوى، ومع هذا لا تفقه قلوبهم ولا تبصر أعينهم ولا تسمع آذانهم، قال تعالى: { َلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كثيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أولئك كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولئك هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف.
هؤلاء لا فرق بينهم وبين الأنعام، بل هم أضل منها لأن قلوبهم عميت عن رؤية الحق، وإدراك الحقائق التي تشرق في الآفاق بنور منابع تكوينها، ووضوح مصادرها تغذيتها، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرض فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أو آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فإنها لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحج.
هذه الفئة من البشر غطى منافذ حواسها، ران جعلها تحيد عن الحق، وتضع الأمور في غير محلها، بل تحمل آخرين وزر التكوين ومواصلة التعزيز، هذه الفئة يجب أن تكف أيديهم، وتلجم ألسنتهم، ويعرفوا بحدود حركة التناول والنقد الموضوعي الصادق المتحرر من شهوة الأنا المريضة التي تجلب لمجتمعها وأمتها مخاطر لا يدركها عقلها الضيق أفقه وفقهه.