د. عبد الله المعيلي
عجيبة هي النفس البشرية، صعب فهمها وتفهمها، فهي تجمع بين عقل تدرك به حقائق الأمور بعد تحليلها وتمحيصها، فتضبط بموجبه مواقفها بموازين العدل، ومعايير الحق ومؤشراته، وبين صور متناقضة مختلفة من النفس، (المطمئنة - الأمارة بالسوء - اللوامة)، لذا تجد معادلة التوفيق بينهما صعبة جداً، وموطن الصعوبة والعجب، أن النفس غالبا ما تنقاد إلى العاطفة التي غالباً ما تكون متقلبة متغيرة، فالعاطفة تختلف بين حين وآخر، بل تكاد تختلف في اليوم الواحد من حالة إلى أخرى، وبهذا حتماً تختلف أنماط السلوك التي هي انعكاس وترجمة للحالة النفسية، أي أن السلوك ينسجم مع العاطفة حباً أو كرهاً، وفي ضوء هذا تطغى سمة العاطفة وتهيمن - عند البعض - على موازين العقل ومعايير الحق، لكن موازين الحق والعدل تحتم على الإنسان السوي المنصف ألا ينقاد وراء شهوة العاطفة فيغير مواقفه بحسب العاطفة الغالبة على حالته النفسية، بل تجده يجتهد في أن يكون منصفاً عادلاً في مواقفه، حتى وإن تعارضت مع سمة العاطفة الغالبة، مما يجعله يقول الحق بكل تجرد وحياد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة.
قد يكون الاختلاف على مستوى الفرد، نظراً لتعارض معطيات معينة من رغباته وربما شهواته مع عموم المجتمع، وقد يكون الاختلاف سمة عند فئة مجتمعية بسبب تفرقة أو تحيز أو إهمال للحقوق وغيرها مما يعد من ضرورات حياة هذه الفئة المجتمعية، وقد يكون الاختلاف عند فئة تؤمن برؤى فكرية خاصة بها تختلف عن التيار العام للمجتمع الذي تعيش فيه.
فهناك فئة مخالفة دائماً لأن لديها أجندة خاصة بها تختلف بل تتعارض مع المسلمات السائدة التي يؤمن بها السواد الأعظم من المجتمع، ومن أوجه اختلافها، رؤيتها الخاصة تجاه عمل المرأة ودورها المجتمعي التي لا تتوافق مع رؤية السواد الأعظم في المجتمع، فقد تكون تلك الرؤية المخالفة نابعة من عاطفية وحماسة غير مدركة لما قد يترتب عليها من مآلات، لأنها لم تنظر لطبيعة المرأة التي كونها الله تعالى عليها، لذا غالباً ما تركز هذه الرؤية على قضايا ثانوية مثل قيادة السيارة، والسفر دون إذن ولا محرم، والعمل في المحلات العامة المختلطة، واستئجار منزل وغيرها من الأمور التي لو وضعت في سلم أولويات حقوق المرأة لما احتلت إلا ذيل القائمة في سلم أولويات حقوقها، وضرورات حياتها وخصوصية عملها في التنمية المجتمعية، وهنا مكمن العجب الذي لا ينتهي، إذ لو نظر نظرة عادلة منصفة صادقة لحال المرأة التي تُمارس بعضاً مما ذكر، لما وجدوها راضية سعيدة، بل إنها تحملت أعباء ثقال لا طاقة لها بها، وليست من أولويات حقوقها المهدرة المنتهكة، الآن هي تئن وتتمنى الخلاص من حالة الحرية المزيفة، والعودة إلى ما كانت عليه سيدة بيتها، معززة مكرمة، مصونة محترمة.
وهناك من ينظر للمرأة بمنظار قيمي، حيث يعدها أساساً متيناً في التكوين الأسري خاصة والمجتمعي بصفة عامة، هي جوهر الحياة، هي الأم الحنون، والأخت والعمة والخالة والزوجة، فكرامتها وحشمتها وإكرامها وسعادتها وإسعادها وعفتها حق أصيل مضمون مكفول، مقدم على كل أولويات الحياة الأسرية، نفقةً وتعليماً، حمايةً ورعايةً وإسعاداً، لا منة فيه لأحد ولا فضل، حقوقها الضرورية كفلها لها الإسلام، وهي من مسؤوليات رب الأسرة، سواء أكان أباً أم أخاً أم زوجاً، وإن تعذر هذا وذاك فبيت مال المسلمين يتكفل بتأمين حاجات حياتها الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وغيرها مما يلبي لها حياة كريمة آمنة مطمئنة محتشمة، المرأة بحاجة إلى عين منصفة عادلة، تسلط الضوء على حقوقها المهدرة تحت سلطة البعض ممن يستغل الفجوات التنظيمية التي لم تمكن المرأة من مباشرة ممارسة مهماتها الخاصة في الأجهزة الحكومية.
لا ريب أن المرأة بحاجة إلى المزيد من التمكين في ممارسة المهمات التي تقدر عليها دون إخلال بقيمة المحافظة على كرامتها وعفتها.