د. عبد الله المعيلي
كلنا ذاك الرجل الذي يروح ويغدو صباح مساء آمنا مطمئنًا، مستمتعًا بحياة هانئة، وصحة وعافية، غارقًا في نِعَم الله التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، نِعَم ينال بها المرء أرفع الدرجات في الحياة الحقة، حياة الآخرة. في البدء نعمة الإسلام التي تعد أجلّ النعم وأفضلها، ونعمة الهادي - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه الله للبشرية جمعاء رحمة. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِّلْعَالَمِينَ} الآية 107 سورة الأنبياء. ونعمة التقوى والخضوع والخشوع، ونعمة العصمة من الخطايا والذنوب، ونعمة الشعور بالسعادة في إنفاق المال على طلبة العلم والدعوة لله، وعلى المستحقين من أيتام وأرامل ومساكين، وغيرها كثير كثير، تجل عن أن يحاط بها وتُحصى.
ونِعَم دنيوية جمة، نِعَم بدنية، تتجلى في صحة الجسم وعافيته وقوته، وسلامته من الأمراض والأسقام، نعمة السمع والبصر، نعمة اللسان والكلام، نعمة التذوق والشم، والزوجة والذرية الصالحة، ونعمة الأمن والأمان، ونعمة الاتصال والتواصل، وخدمة الآخرين وإسعادهم وقضاء حوائجهم، وغيرها كثير لا يمكن الإحاطة بها وحصرها.
ومن النعم الجليلة نعمة العقل وما يحويه من قدرات، تمكّن الإنسان من التفكير والتفكر والتدبر، والتفاعل مع المثيرات والمعطيات التي تشعر الإنسان بقيمته ودوره في التفاعل مع محيطه الاجتماعي والإسهام الإيجابي في تنمية مجتمعه.
ومن النِّعم التي تطرب لها النفوس، وتمثل هاجسًا ملازمًا لها في كل حين، حب جمع المال، نظرًا لقيمته الحياتية والمجتمعية في عيون الآخرين. ويعد (ستيف جوبز) أحد المشاهير، الذي نال مكانة عالية، وحقق مجدًا وشهرة وغنى، قلَّ أن يبزه فيها أحد.
نُقل عنه أنه قال قبل وفاته: «وصلت قمة النجاح في عالم الأعمال، وفي عيون الآخرين. حياتي مثال للنجاح، لكن بغض النظر عن العمل، لم أفرح إلا قليلاً..». وقال: «في هذه اللحظة أنا ممدد على سرير المرض، وتتراءى لي حياتي كلها أمامي. أدرك أن الشهرة والثروة اللتين أفتخر بأنني حققتهما تبدوان شاحبتين بلا معنى في مواجهة موت وشيك».
وقال: «..أعلم أننا ثروة كافية لتعليلنا في حياتنا، لكن كان علينا متابعة أمور أخرى لا علاقة لها بالثروة، أمور أكثر أهمية، ربما هي علاقاتنا الإنسانية. فملاحقة الثروة بلا توقف تحوِّل الإنسان إلى كائن ملتو، مثلي تمامًا».
ثم أردف قائلاً: «الغنى الحقيقي الذي يبقى في الذاكرة ملازمًا للإنسان، يتبعه كلما ذُكر حيًّا وميتًا، إنه الحب الذي يجعل الحياة لا حدود لها، تتجاوز الزمان والمكان».
تداعت أمام ناظريه تلك المعاني القيمة السامية وقد قارب أن يفارق الدنيا بمتعها وثرواتها ومجدها وعزها وجاهها وكل المعاني الثانوية التي يلهث البعض وراءها، يلهث بكل ما أوتي من جهد ووقت.. وما علم أن هذه كلها تتلاشى أمام حقيقة مُرّة، ألا وهي المرض، هذا الداء الذي يجعل الإنسان يستيقظ من أحلامه، وذلك عندما يتمدد على السرير في المستشفى طالبًا العلاج والشفاء.
يقول (ستيف جوبز): «لقد تبيَّن لي يقينًا أن هذا السرير هو الأغلى ثمنًا. كيف لا، وأنت لو أنفقت كل مالك وجاهك فلن تجد شخصًا يمرض عنك، ويتمدد على سرير المرض ولو لثوان معدودة». هذه الحقيقة المؤلمة لا يدركها كثير من الناس، والسبب بدهي ومعروف، ألا وهو كونه يرفل في ثياب الصحة والعافية، مستمتعًا لاهيًا غارقًا في أوهام صور من السعادة المادية الزائفة التي سرعان ما يتلاشى بريقها، ويسودّ بريقها، ويمتر طعمها عند وخزة شوكة، أو معاناة مرض مفاجئ».
إذا أردت السعادة الحقة فمدخلاتها واضحة، تتجلى في حب الله والتقرب إليه بالطاعات، وحب رسوله وسننه، وحب الآخرين، والسعي في قضاء حاجات الفقراء والمساكين، ونبذ صور الحقد والكراهية والبغضاء والتدابر والتناحر والخوض في سير الناس وأعراضهم.. مدخلات سهلة ممكنة، أليس كذلك؟!