د. عبد الله المعيلي
لا تخلو علاقة الإنسان - أيًّا كان - من خطأ قد يُرتكب بحق آخرين، قد يكون متعمدًا أو بغير قصد؛ فالإنسان مهما تسامى إلا أن طبيعته البشرية الملازمة له تدفعه في لحظة انفعال أو غضب إلى أن يخطئ في حق شخص آخر، كأن يخطئ في حق زوجته وهي أقرب الناس إلى قلبه وأحبهم إليه، أو إلى قريب أو صديق أو زميل، أو عابر سبيل، أو مستفز ضايقه أثناء قيادة السيارة، أو مَن تجاوز آخرين ينتظرون أدوارهم، كل حسب أولوية الحضور لقضاء حاجة في متجر أو مشفى أو غيرهما. الحياة ومواقفها المختلفة، ومثيراتها المتعددة، لا تخلو مما قد يُخرج الإنسان من سجيته وطبعه إلى آخر مختلف عما يُعرف به وعنه، ويسلك سلوكًا خارج المألوف أو المقبول اجتماعيًّا أو أخلاقيًّا.
قد تأخذ البعض العزة بالإثم، والغرور والتعالي، والانفعال والغضب؛ فتعمى بصيرته وبصره، ويخرج عن طوره وقيمه.. عندئذ لا يلتفت ولا يأبه لمن أساء بحقه واعتدى عليه، سواء كانت الإساءة باللفظ الجارح، بكلمة أو عبارة، أو التعدي بالاعتداء المنفعل بيد، أو بالمكيدة أو التشويه، أو بالمواقف المتحيزة، أو برفع الصوت والتهديد، أو بالسب والاحتقار.. كل هذه الممارسات الخشنة المسيئة وغيرها يُعدُّ من التعدي على كرامة الآخر، واحتقاره وإهانته، وهي - بطبيعة الحال - ممارسات ممقوتة مرفوضة مستهجنة في كل الثقافات؛ فاحترام حقوق الناس في أن يعيشوا عيشة كريمة معززة مكفول ومحترم في الإسلام خاصة، وبين بني البشر في جل الثقافات والأعراف والقوانين البشرية بصفة عامة.. كل يعرف حدود حركته، ومحددات سلوكه، المقبول منها والمرفوض.
ولهذا فإنه من المتوقع من ذوي النفوس الكريمة، والهمة العالية، الواثقة من نفسها المقتدرة، المتسامية على الصغائر، المدركة السوية، أن تقر بخطئها، وتعترف به، وتؤوب إلى رشدها، وتغلّب حكمة العقل، وميزان العدل، وأن تقهر شهوة الكِبْر والتعالي، والانتصار للنفس، وأن تتذكر أن الظلم ظلمات، وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؛ ولذا حذر الله من الظلم، قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الآية 57 آل عمران، وقال تعالى: {... إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا...} الآية 29 سورة الكهف، وقال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} الآية 18 هود.
كثيرة هي الآيات التي تحذر من الظلم، وتخوِّف منه؛ لأن آثاره مشينة، وعواقبه وخيمة؛ فالظالم مهما كان تكبره وتجبره لن يهدأ له بال، وسيظل مشغولاً مهمومًا بمن ظلم، تلاحقه المظلمة في كل حين وآن.
يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرًا
فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
تستطيع أنت وأنا وكل واحد منا أن يتجنب هذا المصير.. فقط كن شجاعًا، وقُلْ كلمة: (آسف) بكل ثقة وتواضع. قد تبدو هذه الكلمة (آسف) عند البعض ثقيلة، وأنها تنم عن ضعف وخنوع؛ وبالتالي قد تغلبه نفسه الأمّارة بالسوء، وتعظم في عقله أن تأسفه يُظهره بمظهر الضعيف، لكن هذا من تعظيم الشيطان ووسوسته.
الشجاع في مواقفه، القوي في شخصيته، الواثق من نفسه، لا يتردد أبدًا في الإقرار بالخطأ، والاعتذار ممن وقع عليه الظلم والخطأ؛ فبهذا تبرأ الذمة من حق يبقى معلقًا في رقبة الظالم حتى يقتص منه المظلوم.
من لا يقول (آسف) اخسره حالاً وأنت الرابح.