د. جاسر الحربش
المواطن العادي الذي لا هو بالهامور ولا بالتيكنوقراطي، وهو ذلك الرقم الذي يشكل تسعة أعشار التعداد السكاني، هل هو شريك مسؤول في مشروع التحول الوطني القادم، أم أن عليه الاكتفاء بمقولة، أصلا ً المشروع برمته من أجله، ولكن لا دخل له بالتفاصيل. إن كان شريكا ً مسؤولا ً، فهو يعرف أنه ما زال غير مهيأ بما فيه الكفاية، لا علمياً، تقنياً، معلوماتياً، مهاراتياً ولا حتى بدنياً، ومحصلة ذلك كله أنه ما زال غير مهيأ للتحول إنتاجيا. لماذا وما هي الأسباب؟، لأن كل الخطط التنموية السابقة أهملت هذه الجزئية التي هي في الحقيقة ليست جزئية بل كلية. الخطط التنموية السابقة تعاملت مع المواطن كمستفيد إضافي يتم التخطيط باسمه، والمستفيد الأول تكون جهات أخرى بعضها أجنبية، ثم تتقلص في النهاية إلى عدد محدود من الأطراف والأشخاص الذين استلموا المصاريف. هؤلاء يسمون عندنا الهوامير، وفي دول الجوار القطط السمان.
الإنتاجية بتوفر الشروط المذكورة أعلاه لم تكن أصلا ً موجودة. كل ما خطط له ونشرت عنه الإحصاءات والأرقام سابقاً قام على اعتبار العنصر الإنتاجي الأهم هو المستقدم الأجنبي. حتى الإنتاجية الخدماتية: مثل البيع والشراء بالقطاعي والتوزيع والتوصيل وإبعاد القمامة وكنس مدخل المنزل وغسل السيارات والملابس وتركيب اللاقط الفضائي وتسبيك المواصير وحك المناطق الحساسة في الجسم، كل هذه المنافع استولى عليها المستقدم الأجنبي.
إذا ً، النقطة الأولى في فشل الخطط التنموية السابقة كانت الاستغناء عن المواطن في العملية الإنتاجية وتعويضه بألفي ريال مقابل الجلوس في بيته، أو القبول براتب وظيفة وهمية يشغلها مستقدم أجنبي، لتحسين وضع الجهة المشغلة عند وزارة العمل. لم يكن تأهيل المواطن في الخطط التنموية السابقة الفاشلة موضع اهتمام حتى ولو زعم المخططون العكس، ربما لأن الموضوع من أصله كان إنفاق أموال النفط المتراكمة بطريقة مقبولة حسب اللوائح والأنظمة المعمول بها.
النقطة التالية وليدة للنقطة الأولى. بما أن الخطط التنموية السابقة فشلت، فمن المنطقي أن يسأل المواطن الذي هو الرقم الأكبر في التعداد، كما ذكرنا سابقاً، عن الأموال المصروفة عليها، أين ذهبت ومن الذين أخذوها، ولماذا لا تسترد، ومتى يتم إلقاء القبض على الجناة؟. خطط بمئات المليارات باسم المواطن وتفشل؟، طيب أين الفلوس وأين المحاسبة وإلى متى تنتظرون مني كمواطن أن أقبل الاستمرار باستعمال اسمي في خطط بلا نهايات منطقية تحكمها متلازمة الجريمة والعقاب، هذا هو السؤال الذي يحرق قلب المواطن السعودي ويؤرقه.
ما هو المعنى المستنتج من النقطتين المذكورتين بالضرورة ؟. المعنى هو أن يحدث تسريع هائل في تأهيل المواطن لرفع كفاءته الإنتاجية النوعية وإزالة المزاحم الأجنبي له من الطريق مع كل خطوة تأهيل ناجحه، وبما أن العملية الإنتاجية في كل العالم تقوم على شراكة ملزمة بين الرجال والنساء، لابد من التسريع في تأهيل العنصر الوطني النسائي كذلك.
لكن هل يمكن تسريع التأهيل النوعي لمشروع نهضوي ضخم جدا ً قبل أن توضح للمواطن أسرار وملابسات فشل الخطط السابقة ومحاسبة المسؤولين عنها واسترجاع الأموال المصروفة ؟. بكل وضوح، المواطن كان يجب أن يمثله من يختاره كمندوب ليجلس مع مجموعات التيكنوقراط السعوديين والمستشارين الأجانب في اجتماعات الدراسات العميقة لمشروعات التحول الوطني على الأقل كمستمع وسائل، ليظهر بعد ذلك هذا الممثل مقتنعاً ومقنعاً ويشرح في نفس الوسائل الإعلامية بلغة بسيطة ماهو المطلوب بالضبط من المواطن كشريك مسؤول. إن كان ثمة أحد سوف يقول إن هذا نوع من التمثيل السياسي في اتخاذ القرار، فليكن، لأن ذلك هو المطلوب للقبول والانغماس بقناعة في مسؤوليات التنفيذ.
المطلوب أن يكون المواطن ممثلا ً بمن يختاره شريكاً في الربح والخسارة ليرتاح ويريح، وليتذوق طعم النجاح الذي يحققه لأبنائه وأحفاده. لا يجوز أن يتذوق طعم النجاح التيكنوقراط فقط وتجير الكيكة المعنوية لصالحهم.
آخر خطة تنموية تركت للمواطن أطلالاً يراها في حائل والمدينة المنورة وجازان والرياض، بالإضافة إلى فواقد أموال طائلة يتمنى أن يراها ولو حتى كأطلال.
المواطن يسأل: لماذا وكيف ومتى تتم المحاسبة وفتح الدفاتر، ومالذي يضمن عدم التكرار لا سمح الله؟.
ليس من أهداف هذا المقال بأي حال التشكيك أو التثبيط أو التخويف من مشروع التحول الوطني الجديد، بل بالعكس فكاتبه من المقتنعين بأنه لا غنى لنا عنه لأن الظروف تملي علينا تنفيذه والاجتهاد لضمان نجاحه مهما كلف الأمر من مشقة وتعب وصدامات مع تكتلات ترى مصالحها في استمرار الماضي، ولكن الفشل هذه المرة غير مقبول ولا مسموح.
الفشل هذه المرة غير مسموح لأن عواقبه سوف تكون خارج عوالم الأحلام والتمنيات والتحمل وتدخلنا في عالم الكوابيس. مشروع التحول الوطني الجديد يجب أن ينجح، بقناعة ومشاركة الرقم الأول في كل مشروع نهضوي ضخم وهو المواطن المؤهل نوعياً، ذلك الرقم الذي يبقى دائماً الأكبر والأصعب والأهم في كل مشروع. والله من وراء القصد.