أ. د.عثمان بن صالح العامر
أحياناً وأنت تشاهد صور القتل وترى المجازر التي لم يفرق مقترفها بين صغير وكبير ذكر وأنثى قوي وعاجز، تتساءل والألم يعتصرك.. ترى لماذا يتجرأ الإنسان على ارتكاب مثل هذا الفعل الشنيع في حق مخلوق مكرم مثله، خاصة إذا كان يعلم مصيره المحتوم يوماً ما، وسؤال ربه له عن مثاقيل الذر، ومحاسبته إياه على كل فعل قارفه في حياته الدنيا؟!
* عندما أقرأ آية الاستخلاف أتوقف طويلاً عند قول الملائكة لله عز وجل بعد أن أخبرهم سبحانه وتعالى أنه جاعل في الأرض خليفة {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}، أتعجب من حكم هذا العالم النوراني على جنس هذا المخلوق الجديد الذي لم يكتمل بعد أنه سيكون مفسداً في الأرض وسفاك دم.
ويأتي الجواب من الله على الاستفهام الإنكاري هذا الصادر من عباد الله المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
* لقد شاءت إرادة الله وعز وجل أن تكون المدافعة سنة من سننه في الأرض، وأن يظل الصراع والصدام بين الحق والباطل حتى قيام الساعة، أخرج البخاري ومسلم من حديث معاوية، رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ». قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأمِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ. البخاري (3641) ومسلم (1037).
* لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الحال التي وصلت برسل الله المصطفين الأخيار حين حملهم مشعل الحق ورفض قومهم لما جاءوا به من الآيات والنذر التي تخالف عاداتهم ورغباتهم وأهواءهم الجاثمة على صدورهم الجاعلة على عيونهم غشاوة (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجرِمِينَ) هذا هو حال أفضل الخلق وخيارهم عند الله رسل الله وأنبيائه فكيف بحال غيرهم وفي زمن كزماننا هذا؟!
* إن الإنسان يعيش في هذه الدنيا في بلاء وامتحان دائم تارة بالخير وأخرى بالشر، والقتل والتهجير والاغتصاب والتكسير والأسر والتفجير أشد أنواع البلاء المتوقع حدوثه على بني الإنسان، وهو ما يواجهه إخواننا في حلب هذه الأيام على يد بشار الأسد وجلاوزته وأعوانه والمليشات التي جاءت لنصرته والوقف معه ضد الشعب السوري الأعزل الذي لا حول له ولا قوة. والواجب علينا في حقهم أن ننصرهم حسب المستطاع، نقف معهم في محنتهم التي عظم خطبها وأسود ظلامها وكثرت جراحها وبقي ظهور الفجر الصادق الذي يجلي الغمة ويزيل عن المسلمين السنة مأساتهم التي لن ينساه التاريخ.
* لقد تمادى هذا الطاغية فسام المسلمين سوء العذاب في صورة خارقة لكل الأعراف الدولية وأبسط المشاعر الإنسانية وغاب عن باله أن هناك رباً قادراً على أن ينزل عقابه عليه بجند من جنده بين عشية وضحاها {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
إن علينا ونحن نرفل ولله الحمد والمنة ونرى صباح مساء ما يحدث حولنا لإخواننا المسلمين أن:
* نحمد الله عز وجل على ما نحن فيه من نعمة عظيمة ومنة كبيرة ونشكره جل شأنه أن جاد وتفضل بوجود قيادة حكيمة تحكم شرع الله وتولي الأمن جل اهتمامها وعظيم رعايتها حتى ينام المواطن وأسرته وكذا المقيم والزائر لا يخاف ولا يحذر أحداً إلا الله.
* أن ندعم حملات الإغاثة متى ما فُتح الباب لمد يد المساعدة لإخواننا السوريين بما نستطيع، إذ إن هذا لون من ألوان النصرة لهم والوقوف معهم في محنتهم التي تعاظمت هذه الأيام.
* الدعاء لهم في كل وقت وحين نعتقد أنه وقت حري فيه أن يستجيب الله لنا فيه، وما يدري الإنسان أن يكون بدعائه لأخيه في ظهر الغيب فرج قريب.
* أما الجهاد بالنفس ونصرتهم وقتال العدو معهم بالانضمام لهم في ساحة المواجهة، فهو كما تحدث علماء الأمة الربانيين موكل للإمام وذلك لأن (قتال الأعداء أمر تعود آثاره على الأمة جميعها، ولا يقتصر رد فعل العدو على المجاهد في شخصه، ولما كان أثره على الجميع فلا يصح أن يقرره الأفراد، لذا فيجب أن تتخذه الأمة من خلال الإمام الذي عهدت إليه تطبير أمرها)، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربطه بموافقة ورضى الأبوين، فقد رَوَى النَّسَائِيُّ وَأَحْمَد مِنْ طَرِيق مُعَاوِيَة بْن جَاهِمَة «أَنَّ جَاهِمَة جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَرَدْت الْغَزْو وَجِئْت لِأَسْتَشِيرَك, فَقَالَ هَلْ لَك مِنْ أُمّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ اِلْزَمْهَا». الْحَدِيث
اللهم احقن دماء إخواننا المسلمين في الشام واشفِ مرضاهم وفك أسراهم وارحم مواتهم وانصرهم على عدوك وعدوهم نصراً مؤزراً مبيناً عاجلاً غير آجل يا رب العالمين، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.