إبراهيم عبدالله العمار
من الأمثال الأمريكية الشهيرة مثل يصفُ الشخص أن يكونَ «مُهدياً كالهندي الأحمر»، وتعني أن يعطيك شخصٌ شيئاً ثم يرغب في استرجاعه فيما بعد، وهذا المثل أتى من سوء فهم بين الأوروبيين الذين وصلوا للقارة الأمريكية قبل مئات السنين وبين سكانها الأصليين من الهنود الحمر، فمن عادات السكان الأصليين أن يتقايضوا، فيذهب شخص إلى آخر ويعرض عليه بعض الخرز مثلاً، ويطلب كلباً يرعى الماشية مقابلها، وبعد التقايض أو البيع فيمكن له أن يغير رأيه ولو بعد أيام، فيطلب من ذاك الشخص أن يعيد له الخرز، وعلى الآخر أن يعيد الخرز ويسترجع كلبه.
هكذا جرى في عُرفهم، أي أن البيعات والمقايضات ليست نهائية، وهذا الوجه من ثقافة الهنود الحمر هو مصدر الحيرة، فلم يعرف الأوروبيون هذا وظنوا أن الهنود يعطونهم هدايا، ففرحوا بها وأثنوا على كرمهم، لكن لما طالب الهنود بمقابل استاء الأوروبيون ورفضوا، فطالب الهنود بإرجاع تلك الأشياء. عابوا الهنود على ذلك وقالوا «أي ضيافةٍ هذه؟ كيف تعطوننا هذه الهدايا ثم ترغبون أن نرجعها؟»، ولم يفهموا أن الهنود الحمر لم يقصدوا أن يُهدوا بل أن يبيعوا ويشتروا، أي يقايضون، ولم يعرفوا هذا إلا لاحقاً بعد أن ظهر ذاك المثل الذي يحذّر الشخص أن يكون كالهنود، فإذا أعطى أحدٌ شيئاً لغيره ثم أخذ يمنُّ به عليه أو أراد استرجاعه جاءه الجواب الساخط: لا تكن مُهدياً هندياً!
لكن ماذا يحصل لو كان مصدر الخلاف شيئاً كبيراً؟ لا بأس بأن يكون الخلاف على فتّاحة عُلب أو محفظة، لكن ماذا لو كانت على سيارة مثلاً؟ أو بيت؟ كثيرة الخلافات التي تصل للدعاوى القضائية في هذا، فبعد فترة «سمن على عسل» يَفسَد ما بين الاثنين ويختلفان ويتشاجران، سواءً أصدقاء أو أقارب أو أزواج، وقد يطالب بعضهم أن يعيد الآخر هدية ثمينة كالجواهر والأجهزة أو حتى السيارات. وإذا طابت نفس المُهدَى إليه أن يعيد تلك الهدية، فماذا لو لم يمكن إعادتها؟ صدق أو لا تصدق، قد وصل اللؤم في بعض الناس مرحلة مذهلة، وخذ قصة ريتشارد باتيستا، وهو رجل أمريكي عانى مادياً بسبب تكلفة علاج زوجته وكِليتها المريضة، وبعد عمليتين لزراعة الكلية فَشِلتا قلق الرجل على زوجته، ولئلا تموت قرر أن يتبرع لها بكليته، ونجحت العملية الثالثة هذه وعادت الزوجة لزوجها وأطفالها الثلاث سعيدة بهذه التضحية الرائعة، لكن بسبب الضغط الشديد الذي سببه هذه الأمور (الضغط المادي والنفسي) تضرر الزواج، وظهرت المشاحنات والبغضاء فتطلقا، وفي المحكمة أثناء استكمال إجراءات الطلاق طالب الرجل بمقابل مادي يوازي قيمة كليته! وفي تقديره فإن قيمة كليته 1.5 مليون دولار أو ما يعادل خمسة ملايين ونصف مليون ريال!
نهاية مؤسفة شوّهت تلك التضحية، لكن ليس كل من يطالب بهذا لئيماً، ومن القصص التي أتت من مستنقع الانحطاط الغربي قصة البريطانية سامانثا التي رأت حالة زوجها تسوء حتى احتاج كِلية، فقررت أن تتبرع له، فذهبا للمستشفى واستخرج الجراحون كليتها وزرعوها في الزوج، وبعد فترة خرج من المستشفى بكامل صحته وظلت سامانثا في المستشفى تحتاج بعض النقاهة، وفي هذه الفترة.. بينما زوجته تتعافى .. خانها! فَعل فِعلته مع امرأة أخرى ولم تعرف سامانثا المسكينة إلا بعد أشهر، فطلبت الطلاق، وقالت: «لا أندم على العملية، لكن أندم أن كليتي ذهبت له. إني أكرهه، وأتمنى لو أن كليتي ذهبت لشخص آخر يستحقها».
ألومُ من يمنُّ أو يطالب بهديته، لكن سامانثا لا لوم عليها!