إبراهيم عبدالله العمار
أظنه لم يمر عليك من قبل، فهذا الاسم شبه مجهول ولا يعرفه إلا القليل من الناس مثل خبراء التاريخ أو الفلك، ولو أنا سألناهم عن هذا الرجل لقالوا لنا قصة ظريفة عنه، وهي أنه رغم مجهوليته اليوم إلا أن اسمه كان على كل لسان في زمنه، خاصة في سنة 1608م.
ماذا حصل في تلك السنة؟ أتى هذا المخترع الهولندي بشيء جديد، ثم قدّم عريضة إلى البرلمان ليعطوه براءة اختراع، ورأى البرلمان أهمية هذا الطلب حتى أنهم عقدوا اجتماعهم في جزء من القصر الملكي! لماذا؟ لأنهم لما أخذوا هذا الاختراع وتأملوه وجرّبوه بدا لهم أنه ذو منفعة وأهمية عظيمة، لدرجة أنهم – أثناء تداولاتهم عن براءة الاختراع – طلبوا من مخترعه هانز ليبرشي أن يصنع منه نسخة أخرى للحكومة، ومقابل هذا أعطوه 900 فلورين هولندي (ما يعادل 15 ألف دولار اليوم أو 56 ألف ريال)!
ما هو هذا الاختراع؟ إنه شيء أنبوبي الشكل، أسماه ليبرشي «الرائي»، ونسميه اليوم المنظار أو تلسكوب. تنظر خلاله فيقرّب لك الأشياء البعيدة، كالجبال. وتحمّسَ ليبرشي لما طلبوا منه صناعة قطعة أخرى لهم، ورأى أن هذا بَشير خير أنه سينال براءة الاختراع، فعكف بحماس على صنع راءٍ آخر وسلَّمه للحكومة الهولندية، وأخذ يفرك كفيه بجذل يتخيل الشهرة والغنى بعد أن ينال براءة الاختراع ويتفرد بصنع الرائي.
لكن أتت المفاجأة لهانز: رفض البرلمان طلب براءة اختراعه! بعد أن أفاق من صدمته شرحوا له أن من أسباب الرفض هو سهولة تقليد هذا الاختراع، وهذه وافقهم فيها الصواب، فقد شرع أكثر من شخص يحاكي الرائي ويصنع نسخته الخاصة، منهم أستاذ رياضيات في إيطاليا، والذي صنع منظاره ثم فعل شيئاً بسيطاً لكن أثره هائل: وجّه المنظار المقرب للأعلى، وأخذ يتأمل السماء. بدأ يراقب النجوم والكواكب والقمر بدقة أكبر ما كان البشر يستطيعونها من قبل، وأخذ يدوّن ملاحظاته ويتعمق في الموضوع، حتى وصل لنظرية أن الأرض تدور حول الشمس عكس ما يظن الناس، وهكذا صنع ثورة في علم الفلك، أما ليبرشي المحبَط فأزاحه التاريخ للهامش وجعل الشهرة والعرفان لأستاذ الرياضيات ذاك، والذي نعرفه اليوم باسمه الحقيقي.. جاليليو.