إبراهيم عبدالله العمار
نكمل قصة المستكشف نيكولاس كلاب الذي سافر لجنوب الجزيرة العربية وتحديداً إلى قرية شصر في عمان في طرف الربع الخالي بحثاً عن إرم مدينة عاد المفقودة، ورأينا الأسبوع الماضي كيف أنهم أثناء بحثهم اكتشفوا بعض قطع الشطرنج وهي أقدم مجموعة عُثر عليها في الجزيرة العربية وإحدى أقدمها في العالم، ومع كثرة الاكتشافات من آنية وأبراج وآثار أتى بعض البدو الذين كانوا يعينون المستكشفين والعلماء فسألوا: أين الذهب؟
يقول نيكولاس: «هذا هو السؤال الذي حاولنا أن نتجنبه! فالكثير من البدو يوقنون أنه مهما قال علماء الآثار فإنهم تُبّاع كنز، وإلا لماذا يحفرون في التراب؟ ذكروا لنا بعض القصص التي تناقلوها عن آبائهم وأجدادهم أن إرم هي مدينة الذهب الأحمر. أما نحن فلم نجد أي ذهب، بل حتى لم نجد هياكل عظمية، وإذا وجد علماء الآثار الذهب فهو في العادة مما يُدفَن كنوع من الطمأنة والمساعدة للميت في الحياة الأخرى، لكن لم نجد أي مدافن في شصر أو حولها». لكن لماذا لم يجد نيكولاس وفريقه أي مدافن أو قبور في شصر رغم أنها تحوي هذه القلعة التي بدأوا يخرجون جدرانها وأبراجها والتي اكتشفوا فيها مجموعة الشطرنج تلك؟ ربما من أسباب هذا أن الذين ماتوا هناك من قوم عاد أُخذوا للجبال ليدفنوا، وهذا محتمل لو كانت القلعة في شصر لم تُسكن إلا موسمياً، أي أن قوم عاد قضوا أواخر الربيع والصيف في جبال ظفار الأكثر برودة يحصدون البخور الثمين، وإذا أتى الخريف ينقلونه إلى شصر وهي منطقة تجمُّع للقوافل العظيمة التي طالما سارت في الجزيرة العربية. لما رجعت هذه القوافل لشصر في الربيع فإن قوم عاد يأخذون الأموات وكذلك الأرباح - بما في ذلك أي ذهب - إلى مساكن في الجبال.
اتجهوا للساحل وهناك اكتشفوا أن إرم كان لديها شقيقة: عين حمران، وهي قلعة تطل على بحر العرب. زاروا عين حمران أثناء رحلة استطلاعية عام 1989، يصفها نيكولاس أنها منطقة كئيبة على تل كئيب، مجموعة حجارة بناء سوداء مكسورة. كانت حصناً برتغالياً قديماً قيل لهم، بقايا ألفونسو دي ألبكركي في القرن الخامس عشر الميلادي، لكن الآن لاحظ عالم الآثار أن جدران عين حمران وأبراجها شبيهة بإرم في العرض والطول وفتحات السهام والتكوين العام، ومثل إرم هذه المنطقة تحكمت بالوصول لمصدر ماء قديم. نقبوا هناك ووجدوا تلك القطع الخزفية التي فيها النقط والدوائر التي صارت الآن علامة مميَّزة لقوم عاد. عرفوا الآن: إن عين حمران مستوطنة ساحلية كبيرة بناها قوم عاد! مدينة في البر ومدينة على البحر! قوم عاد ربما أرسلوا البخور للأسواق البعيدة إما بالبر أو البحر. كل طريق له مخاطره: العواصف والقراصنة في البحر .. وفي البر كانت القوافل عرضة لقطاع الطريق والضرائب الباهظة. ربما كل سنة اختار قوم عاد أفضل طريق لتلك السنة...أو ربما كلاهما.
نفدت أموال المستكشفين وعادوا لأمريكا، بعدها تكفلت الحكومة العمانية بتحمّل تكاليف التنقيب في أبر وعين حمران لمدة 3 سنين، وسنرى الحلقة القادمة جولتهم الجديدة من الاستكشاف.