د. محمد عبدالله الخازم
السياسي مهمته اتخاذ القرار دون شروحات تفصيلية؛ إذ يُترك ذلك للمحللين والنقاد والمتابعين. نحن كتاب الرأي نصنف ضمن النقاد الذين يقدمون شروحاتهم، ملاحظاتهم وآراءهم المختلفة، التي قد تصيب وقد تخطئ. بعض الآراء قد تتفق مع ما ذهب إليه صانع القرار. ولا يعتبر تجاوزًا طرح وجهة نظر أخرى إذا ما كان الهدف الإيجابي في خدمة الوطن هو ما يتفق عليه الجميع. في صنع القرار الإداري والسياسي الأمور ليست بهذا الوضوح (يا أبيض يا أسود)، بل توجد مناطق بين هذا وذاك. والقرارات تتخذ وفق ما يتوافر لصانعها من معطيات. وأصعبها ما يتعلق بالمستقبل؛ إذ لا يسير ذلك المستقبل في خط مستقيم؛ بل تؤثر فيه عوامل وظروف متنوعة، ليست جميعها تحت السيطرة.
أعلم بأن القراء يتذمر بعضهم من المقدمات، ويعتبرونها أكاديميات مملة، لكنني احتجت إليها لأنطلق نحو إبداء وجهة نظر، لا تدعي الدقة؛ لأن الأمور - كما أشرت أعلاه - ليست أبيض وأسود. نطرح أفكارًا نراها تستحق النقاش، وضمن مسؤوليتنا في دعم صانع القرار بما نراه إضافة أو وجهة نظر أخرى.
محور التغييرات الإدارية الأخيرة تتمثل في دمج أو تفكيك بعض الإدارات، واستحداث أو إلغاء أخرى. ومن أبرز قرارات الدمج تلك التي حدثت لوزارتي العمل والشؤون الاجتماعية. وقد كانت مفاجأة بالنسبة لي؛ إذ ذهب توقعي إلى أن أي دمج لوزارة العمل سيكون مع وزارة الخدمة المدنية؛ لتشابه الأدوار، وكونه يمكن شملهما تحت وزارة تسمى وزارة القوى العاملة. ولعلي أشير إلى أنني كنت ممن كتب مطالبًا بفصل العمل عن الشؤون الاجتماعية عام 1999م، وتحققت فكرة الفصل عام 2004م. من هنا ربما أُتَّهم بأن تساؤلي ذو مصدر عاطفي نحو الاعتزاز برأي قديم!
ببساطة، أرى أن تقليص البطالة والتوظيف هو محفز نجاح الرؤية الوطنية بمكوناتها كافة؛ وبالتالي فالأمر يستحق تفرغ وزارة العمل أو وزارة القوى العاملة لهذه المهمة، وعدم إدخالها في دهاليز القضايا الاجتماعية المختلفة. المهمتان (التوظيف والشؤون الاجتماعية) مختلفتان؛ وأخشى أن يؤدي دمج العمل بالشؤون الاجتماعية إلى إضعاف كلتيهما، أو إحداهما. لا أريد الإسهاب في الشرح، لكن ظروف الماضي من ناحية عدم الاهتمام بتوظيف السعودي بالقطاع الخاص، والنظرة لوظائف القطاع الخاص كوظائف عمالة، برر ربط العمل بالشؤون الاجتماعية وكذلك الرياضة والشباب وغيرها. الوضع الآن أصبح مختلفًا.
هيئة للثقافة، وأخرى للترفيه، تنضمان إلى شقيقتهما الكبرى هيئة السياحة والآثار. يعيدني هذا التشكيل إلى فكرة سبق أن طرحتها حول تأسيس هيئة السياحة والثقافة بدمج السياحة مع الثقافة (بفصلها عن الإعلام والثقافة). وقد فندت فكرتي ومبرراتي حينها. وجود ثلاث أو أربع هيئات (لو أضفنا لها الرياضة) تقوم بأدوار متشابهة ومتداخلة يتعارض مع الفكرة الأولى المتمثلة في تقليص حجم الجهاز الحكومي بدمج وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية. تبدو لي الفكرة وراء ذلك هي محاولة تأكيد أهمية كل مهمة من المهام (السياحة والثقافة والترفيه) ضمن مكونات الرؤية الوطنية. أتفق على الأهمية، لكن إداريًّا ربما هيئة للثقافة والسياحة ستشمل مهام الهيئات الثلاث معًا..
الملاحظة الأخيرة تتمثل في ربط مرجعية مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بوزير الطاقة. وقد كنا نتوقع أو نطالب بربطها بوزارة التعليم العالي (سابقًا) أو التعليم (حاليًا)؛ لتكون وزارة التعليم والبحث العلمي؛ إذ إن مهام المدينة بحثية شاملة، وليست محصورة في الطاقة، بل إن الطاقة والبترول لديها مركز بحوثها الذي افتُتح مؤخرًا. أعلم أن الارتباط سيكون عبر رئاسة مجلس الإدارة فقط، لكن يظل جل تعامل المدينة البحثية مع الجامعات، ومهامها البحثية والتقنية أشمل وأعم من بحوث وزارة الطاقة. رؤيتنا التخلص من الاعتماد على البترول، وربط المدينة البحثية بوزارة الطاقة يُخشى أن يقود إلى تركيز أبحاثها في مجالات البترول والطاقة؛ فنكون كمن يسير في مسارين متعارضين.. مرة أخرى، لا يوجد أبيض وأسود في القرار الإداري. نحن نطرح وجهة نظر، وصاحب القرار لديه معطيات ومبررات، قد لا نلم بها، وقدره أنه لا يمكنه تبرير قراراته للجميع. بعد إبداء وجهة نظرنا تبدأ مهمتنا بدعم ما رآه ولي الأمر، والإسهام - كلٌّ في مجاله - بإنجاح رؤية قيادة بلادنا - حفظها الله -.