د. محمد عبدالله الخازم
ربما هو قول مكرر الإشارة إلى أن الرؤية الوطنية للعام 2030م، لم تعد مجرد فكرة، بل برنامج عمل التزمت الحكومة بتنفيذه عبر برامج وخطط تفصيلية ستعلن في القريب العاجل. وبالتالي فقد نتجاوز فرحنا بفكرة وجود الرؤية، إلى طرح التفاصيل وكيف نسهم في التحليق بها والإسهام في نجاحها.
المكون الأول للرؤية المعلنة يعتبر أساسا اقتصاديا وكأنها تستند على النظرية القائلة بأن الإصلاح الاقتصادي يقود لإصلاحات أو تطوير في بقية المجالات. على سبيل المثال؛ تحويل أرامكو إلى شركة قابضة يعتبر أمرا اقتصاديا في الأساس، لكنه قد يقود بطبيعته إلى تحسن إداري بتطوير نظام حوكمة الشركة والشفافية في أعمالها، وإيجاد تحسينات وتطوير لأنظمة الاستثمار المحلي والأجنبي وإتاحة مزيد من الفرص الاستثمارية للمواطنين وغير ذلك من الأمور. المكون الثاني - كما وصفها أحد الكتاب- هو تقديمها وربما إدارتها وفق فلسفة إدارة الأعمال والمشاريع وليس فلسفة الإدارة العامة.
وفق تلك الفلسفة لا أحكم بأن الرؤية التنموية و الإدارية غير حاضرة في الرؤية لكنني أبحث عن وضوحها بشكل أكبر. على سبيل المثال نرجو أن تشمل الرؤية أو برامجها أهداف تنموية واضحة، مثل توزيع الخدمات الأساسية - الصحة ، التعليم ، النقل، الصرف الصحي، المياه والخدمات الاجتماعية - بشكل متوازن بجميع المناطق وبنسب واضحة بكل منطقة. أو مثل إعادة تركيز السكان بتخفيف الكثافة السكانية بالمدن الكبرى عن طريق برامج تنموية تجذبهم للمناطق الطرفية والصغيرة. كإيضاح أكثر؛ تخصيص الصحة هدف اقتصادي بالمقام الأول؛ الهدف التنموي هو توفير الصحة بمقاييس عالمية لكل مواطن في كل منطقة. بصفتي غير اقتصادي ومهتم بالتنمية والرفاه الاجتماعي الشامل تهمني قضايا التنمية المتوازنة أكثر من حجم الدين والاستثمار. ربما لعدم فهمي للاقتصاد، لا أتردد شخصياً، في الاستدانة لأجل تعليم أبنائي أو بناء مسكن مناسب لهم!
في الجانب الآخر، أعتقد أن تحسن الاقتصاد والخصخصة وغيرها من الأفكار الجميلة التي طرحت يتطلب دعائم تضمن سلامة السير في طريق الإصلاح الاقتصادي. أهم تلك الدعائم تتمثل في التطوير الإداري والرقابي. ربما يكون ذلك ضمن النظرية الاقتصادية المشار إليها أعلاه و أشارت الرؤية له ضمناً أو عرضاً، لكنه لم يرد كأهداف واضحة يمكن قياسها، كما هو حاصل في الجوانب الاقتصادية. على سبيل المثال؛ هل لدينا رؤية في تقليص حجم الوظيفة الحكومية بنسب محددة، كأن نهدف إلى تقليص حجمها بنسبة عشرة أو عشرين في المائة، باعتبار أن جهازا حكوميا أصغر أكثر فعالية من الجانب البيروقراطي . هل لدينا أهداف تتعلق بتقليص المركزية وتنمية الحكم المحلي واختيار القيادات الإدارية و التخطيط على مستوى المناطق وغير ذلك من الجوانب الإدارية التنموية الهامة؟
بالنسبة للجانب الرقابي، فعلى الرغم من أن الرؤية كررت في أكثر من بند الاهتمام بالشفافية والمحاسبية والرقابة وتطوير هيئات الرقابة ومكافحة الفساد، إلا أنها أغفلت الحديث عن تطوير أهم مجلس رقابي تشريعي ألا وهو مجلس الشورى، وكنا نتمنى أن تعلن الرؤية تحويله إلى مجلس منتخب ومنحه صلاحيات رقابية وتشريعية أكبر. والأمر نفسه ينطبق على مجالس المناطق المختلفة. الرؤية تشمل أهدافا كبرى في التخصيص والاستثمار ولكي ننجح في تنفيذها نحتاج عونا ومساندة من السلطتين التشريعية والقضائية. ليس هذا انتقاصاً من أية سلطة، لكنها طبيعة الإصلاح والتطوير.
أكرر ترحيبي بوجود رؤية نؤسس على ضوئها أهدافنا وخططنا للمستقبل. أعترف بأنني لست خبيراً في الجوانب الاقتصادية لأطرح رأياً في العوائد الاقتصادية والاستثمارية، لكنني أرى التطوير والإصلاح يتطلب السير بشكل متواز في مختلف المدارات؛ التنموية والإدارية وغيرها. أعجب بالنماذج العالمية ذات الصبغة الاجتماعية حتى وإن كان نموها الاقتصادي محدودا مثل كندا والسويد وأستراليا وغيرها، ولست أرتاح للنموذج المادي البحت كالأمريكي...
دعواتي بالخير دائماً لوطني العزيز وتقديري المستمر لقيادتنا الطموحة التي تجمع حكمة القائد سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وديناميكية الشباب ممثلة في عضدية المحمدين. بارك الله في جهودهما وسدد خطاهما للحق والخير.