د. محمد عبدالله الخازم
تزدحم الملفات والمواضيع التي أريد الكتابة عنها وفيها، في ظل تزاحم الأحداث والحراك الذي تشهده البلاد بتوجهاتها المتنوعة. لكن الذكريات تواردت في خاطري وأنا أشاهد سمو الأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني وحولة كوكبة من خريجي جامعة سعود الصحية،. تذكرت زيارات سموه المتعددة لمستشفانا وجامعتنا متفقداً الأعمال زائراً للمرضى، محتفياً بالطلاب ومحفزاً للقاءات العلمية والثقافية المتنوعة. علمت أن سموه مر بوعكة صحية بسيطة مؤخراً تجاوزها بحمد الله وفضله رأيته من واجبي الذي ربما تأخرت فيه أن أقول «طهور سمو الأمير.. قدامك العافيه بإذن الله».
في حفل التخرج لأحد الدفعات الأول بجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية، أشار خطيب الحفل بأنه نظراً لكثرة العدد وحرصاً على وقت سموه الكريم -يقصد سمو الأمير متعب راعي الحفل آنذاك- سيتقدم أوائل الطلبة للسلام على سموه نيابة عن بقية زملائهم.. فما كان من سموه إلا أن فاجأنا رافعاً يده مستأذناً في المقاطعة، قائلاً «مهما تكن مشاغلي فليس أجمل عندي من مصافحة الطلبة وتهنئتهم فرداً فردًا، أرجو أن تسمحوا للجميع التقدم للسلام وليس فقط الأوائل». ومنذ ذلك الحين، اعتبره طلاب الجامعة التي أحبها ورعاها منذ أن كانت فكرة حتى أصبحت أحد الصروح العلمية البارزة في مجالها، أعتبروه صديقهم، ينتظرونه وينتظرهم في كل محفل طلابي لتجديد صداقتهم.
تكررت لحظات العفوية وصدق المحبة التي جمعت سموه بطلاب الجامعة سواء في زيارته الرسمية في المناسبات العلمية المبرمجة أو في زياراته المفاجأة التي تعود منسوبوا الشئون الصحية بالحرس الوطني والجامعة دون ترتيبات مسبقة. واحسب أن ذلك كان ديدنه كذلك مع منسوبي كلية الملك خالد العسكرية ووحدات التدريب المختلفة بالحرس الوطني. لدى سموه إيمان كبير، لا يخطئه المتابع، بالتعليم والتدريب كأحد المرتكزات التي يقوم عليها تطوير الحرس الوطني وتطوير الإنسان السعودي بصفة عامة.
كنت وربما لازلت أطالب بتوحيد المرجعية لأي قطاع كان، ولكن وجهة نظره وهو يقف يتابع فكرة تأسيس جامعة صحية بالحرس الوطني، وهي الفكرة التي أطلق ضوءها الأول الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله وغفر له-، أنه طالما لدينا الإمكانات البشرية والإدارية لخدمة الوطن في مجال فيه الكثير من النقص ويحتاج الكثير من الدعم، فلم لا نساهم في ذلك؟ جامعة الملك سعود الصحية ستضل ملتزمة بمعايير التعليم العالي، لكننا سندعمها كجامعة صحية متخصصة تستفيد من إمكانات الشئون الصحية الكبيرة، وتخدم الوطن كافة وليس الشئون الصحية فقط. وكان له ما أراد؛ بالعزيمة والطموح، تحقق حلم القائد الباني الراحل الملك عبدالله برعاية الابن البار متعب، الذي أدرك أحلام أباه فكان خير مترجم لها على أرض الواقع.
أختم بشهادة تتمثل في إحدى المفارقات المتمثلة في تناقض موقف سموه في قبول الشفاعات والواسطات، فهو مع الشفاعة عندما يمس الموضوع مريض يبحث عن علاج، وفي كل مرة يكرر بأن المنظومة الصحية بالحرس الوطني وجدت لخدمة كافة أبناء وبنات الوطن قدر المستطاع، ونراه يبادر عند علمه بحالة تحتاج علاج أو تدخل فيوجه للعناية بها، بل أن هناك قصصاً لا تصل للإعلام يتجاوز دعم وتوجيه سموه فيها مجرد العناية الصحية إلى توفير الخدمات الاجتماعية الأخرى التي تحتاجها وفي إطار خارج مهام المستشفى العلاجية. أما الواسطة التي لا يحبذها سموه ويرفضها بشدة فتتعلق بالشفاعة لطالب غير مؤهل للحصول على مقعد بالجامعة على حساب آخر متميز. توجيهه الدائم لمسؤولي الجامعة بمراعاة العدل والقبول وفق الأنطمة دون أي استثناء، مذكراً الجميع بأن تلك توجيهات خادم الحرمين الشريفين الراحل الكبير عبدالله بن عبدالعزيز، -رحمه الله-، منذ بدأ تأسيس الجامعة.. أو كما يردد؛ هي جامعة لجميع أبناء وبنات الوطن، يتنافسون على دخولها وفق الكفاءة والمعايير العلمية المطبقة على الجميع.
ذكرياتنا ولحظاتنا في الجامعة مع سموه عديدة، وأحسب أن هناك الكثير يذكره الآخرون عن جهوده في تطوير الحرس الوطني وفي مهرجان الثقافة وفي مهامه الأخرى التي تولاه بشكل رسمي أو غير رسمي.. أكتفي بمشاهداتي، فما كنت أهدف أكثر من قول «طهور وعافية يا سمو الأمير».