د. محمد عبدالله الخازم
أن توجد رؤية وطنية لما تكون عليه المملكة خلال الخمس عشرة سنة القادمة، أمر جميل، ويستحق التقدير، والأجمل أن يتاح النقاش حولها. فكرة النقاش أو التعليق لا يعني أن الآخرين لم يناقشوها ويفكروا فيها بتمعن قبل إعلانها، وإنما يعني آراء إضافية تبني ولا تهدم وذلك تأسياً بقول قائد الخطة سمو ولي ولي العهد الذي رحب بالأسئلة والنقد حول تلك الرؤية. عند تطوير أي مشروع أو فكرة يكون هناك نوعان من الآراء والأفكار؛ تلك التي تأتي من داخل دائرة صنع القرار وتلك التي تأتي من خارج الصندوق أو من خارج منظور صانع المشروع الذي يعيش تفاصيله. المفكر من داخل الصندوق قد تغيب عنه الصورة الأشمل ويغرق في التفاصيل وذلك الذي يأتي من الخارج قد تغيب عنه التفاصيل فيطرح آراء تتعلق بالغايات والصور النهائية دون الغوص في التفاصيل التقنية. لا يوجد رؤية مكتملة دون تفاعل هذين العنصرين، تفكير من داخل مشروع الرؤية وملاحظات من خارج الصندوق، وأحسب أنه يُعتبر مهماً في المرحلة الحالية إتاحة الفرصة للصوت القادم من خارج فريق الرؤية لإبداء رأيه بكل تجرُّد وبما يخدم الهدف النهائي المتمثل في صنع رؤية قوية متينة قابلة للتطبيق. وعلى من هم داخل المشروع عدم التقليل من قيمة الآراء الناقدة من خارج دائرة صنع القرار.
البذرة الأولى أو الخطوط العريضة لوضع رؤية وطنية تم إعلانها، وقد حظيت بالدعم الأهم من القيادة العليا للبلاد. تأتي الخطوة التالية في نقاشها على مستويات مختلفة، أولاً لغرض تنقيحها وتطويرها، وثانياً للتأكد من تحقيقها مطالب مختلف الشرائح وثالثاً للحصول على إيمان الجميع بجدواها ليكونوا شركاء في تنفيذها وليكون لديهم الاستعداد لبذل الجهد المطلوب لتحقيقها وكذلك تحمُّل الصعوبات التي قد تعتري تنفيذها.
الرؤية التي نتحدث عنها وطنية، وإن كانت حديثة في صياغتها وفي كثير من مكوناتها، إلا أنها لا تنكر التاريخ والتجارب السابقة لها، وكان مهماً الإشارة إلى ذلك وتبيان سبب فشل أو عدم تحقق الخطط والرؤى السابقة. لقد كانت هناك خطط أو رؤية طويلة المدى طورتها وزارة التخطيط، كخطة 2020م، إضافة إلى الخطط الخمسية المعهودة. كما نتذكر حديثاً كان طاغياً فترة من الفترات حول رؤية لتحويل المملكة إلى مجتمع واقتصاد المعرفة وغيرها من الأفكار الجميلة التي احتفينا بها حينها، والتي تعثرت لاحقاً لسبب ما أو لآخر. ولعل إشارة سمو ولي ولي العهد إلى مركز الملك عبد الله المالي وصعوبة عدم إتمامه بنفس الرؤية التي بني عليها لدليل على وعي القيادة بالخطط السابقة وبمسببات تعثر بعضها. نحتاج قراءة فاحصة للمبادرات السابقة لفهم إيجابياتها وسلبياتها ومبررات عدم نجاحها ومن ثم الاستفادة من ذلك في تطبيق الرؤية الجديدة. نحن لا نبدأ من الصفر في بناء بلدنا، بل نبني على تاريخنا وتجاربنا السابقة وفق تطورات العصر وبالاستفادة من التجارب العالمية.
الجانب الإجرائي الآخر فيما يتعلق بالرؤية الوطنية، هو كونها عملاً جمعياً من قِبل مختلف القطاعات، الوزارات والجهات ذات العلاقة بالتعاون مع الخبرات التخطيطية المحلية والأجنبية، وفق ما أعلن عنه. ولا ينفي ذلك أن أحد محفزات سرعة العمل فيها وإنجازها يكمن في تشكيل غرفة علميات خاصة بها، بقيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان. من هذا المنطلق؛ ربما يكون إيجابياً تحويل مشروع الرؤية إلى موضوع حوار وطني يتم تداوله خلال عام، ومثل ذلك سهل تحقيقه عن طريق مركز الحوار الوطني الذي أصبح يملك الخبرة في إدارة حوارات وطنية بمختلف مناطق المملكة. بل إن نتائج الحوارات السابقة، قد تُشكّل رافداً مفيداً في فهم احتياجات المجتمع ورؤاه في العديد من المواضيع التي تم نقاشها. نريد إشراك المجتمع بكافة أطيافه وفي كافة المناطق، كما أشرت سابقاً في مراحل العصف الذهني والنقاش حول مكونات الرؤية المختلفة وخططها وبرامجها المختلفة.
إضافة إلى ذلك فإن مجلس الشورى بصفته التشريعية وكونه ممثلاً للنخب المختلفة، بحاجة إلى نقاش الرؤية وتفهم غاياتها ليكون شريكاً في صياغة برامجها وما تستوجبه من تعديلات في الأنظمة والتشريعات، إلخ. وللموضوع بقية.