د.دلال بنت مخلد الحربي
تزخر المملكة بعدد غير قليل من المواقع الأثرية التاريخية، والمواقع التي شهدت أحداثا ومناسبات تاريخية أو طرقا شكلت معابر مهمة، وتبذل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني للمحافظة على هذا التراث التاريخي والحضاري، كما تسعى إلى التعريف به،
وبجانب هذا الجهد هناك جهد آخر للجمعية السعودية للمحافظة على التراث والتي ترأس مجلس إدارتها سمو الأميرة عادلة بنت عبدالله والتي بادرت من منطلق اهتمامها بتفعيل وتنشيط التعريف بالمواقع الأثرية والتاريخية في المملكة وتنشيط السياحة التراثية إلى إطلاق مبادرة: سافر مع التراث..
وسافر مع التراث هي رحلة جماعية للمهتمين وأولئك الراغبين بالوقوف على المعالم التراثية والتاريخية عبر جدول ينظم من قبل الجمعية السعودية للمحافظة على التراث مع هيئة السياحة والتراث الوطني وإمارة المنطقة المحددة للزيارة، ولاشك أن هذا جهدا كبيرا تشكر عليه الأميرة عادلة والتي عرفت بحسها العالي واهتمامها بجوانب ومجالات كثيرة لدعم كل مايرفع شأن الوطن، كما تشكر هيئة السياحة على دعم الفكرة،
وكانت أول محطة لسافر مع التراث هي القصيم، والرحلة الثانية كانت بتاريخ 21 رجب ولمدة يومين إلى حائل، وكان من حسن حظي أنني كنت من جملة الوفد الزائر لحائل
عندما يحضر اسم حائل يحضر التاريخ بمشاهيره ورجالاته وأحداثه ومواقعه وأيضاً بزواره من الرحالة الأجانب، كما يحضر الشعر سواء الحديث منه أو القديم خاصة شعراء المعلقات الذين ذكروا حائل في شعرهم من امرؤ القيس إلى زهير بن ابي سلمى إلى طرفة بن العبد..كما يحضر انطباع الرحالة الأجانب الذين زاروها في فترات مختلفة، حائل التي تعرف بأشهر جبلين فيها وهما جبل اجا الواقع شمال غربها وجبل سلمى الواقع جنوب شرقها،
عند وصولنا حائل (أخت الجبال كما يطلق عليها) كانت المحطة الأولى هو متحف (لقيت للماضي أثر) لصاحبه خالد حمود المطرود والذي احتوى على كثير من مظاهر الحياة الاجتماعية في حائل، وفي اليوم التالي كانت وجهتنا فيد التاريخية وصاحبنا في الرحلة إليها وفي كل الرحلة وصف وشرح دقيق من ابن حائل عبدالرحمن الصمعان وقد تنقل بِنَا من التاريخ إلى الشعر بلغة عربية راقية وبثقافة عميقة بالمنطقة وتسنى لنا قبل بلوغنا قيد الوقوف على أبرز معالم حائل الطبيعية فوهة بركان الهتيمة، ثم كانت زيارة قلعة اعيرف التاريخية التي يعود تاريخ إنشائها إلى مقابل الإسلام وهي إحدى المعالم الرئيسة في حائل، تبعها زيارة قلعة القشلة التي شيدت في عام 1360هجرية في عهد الملك عبدالعزيز
في يوم 23 رجب كان موعدنا مع مدينة جبة حيث موقعها الأثري الذي دخل قائمة التراث العمراني لليونسكو ، وفي طريقنا إليها كنت استعيد وصف آن بلنت التي زارتها في عام 1296هـ/1879م،،،وكتبت عندما وقعت عيناها عليها وصفا هو أقرب للوحة الفنية إذ قالت: (كان الغروب قد حل تقريبا عندما رأينا جبة للمرة الأولى تحتنا عند طرف السبخة أشجار نخيل خضراء داكنة تقطع اللون الأزرق الباهت للبحيرة الجافة، وماوراء ذلك نسق من الصخور الحمراء ينتصب في صحراء النفود الوردية، وفي مقدمة المشهد رمل أصفر مكلل بالدر، كان المشهد برمته متوشحاً في ضوء المساء بديعاً فوق كل وصف)
في جبة كان لقاؤنا مع الرسوم الصخرية الأثرية في موقع جبة الأثري، ثم متحف النايف ومنزله وعلى الأخص مجلس المنزل الذي شهد حضور أسماء بارزة من رجالات آل رشيد، وكذلك الرحالة منهم آن بلنت التي مازالت الأسرة تحتفظ بكل مكونات ومحتويات الغرفة التي سكنت بها، وقد يلاحظ القارئ الكريم تركيزي على بلنت دون الرحالة الأخيرة الذين زاروا حائل أمثال جورج والن ووليم بلجريف وكارلو غواراني وشارل هوبير ، هو كونها السيدة الأوربية الأولى التي زارت حائل والتي حرصت أيما حرص على التعرف على نساء حائل والاحتكاك بهن، كما أنها شغفت بصحراء حائل ونجد ككل، وكتبت بلغة محبة عن المنطقة، كما قدمت وصفا جميلا لكثير من معالم المنطقة.
ختام رحلتنا كان السوق الشعبي في حائل وفيه الأسر المنتجة حيث النساء ونشاطهن المنتج وبيعهن،،
كانت حائل أكثر من رائعة بكرم حاتم الطائي وفصاحة سفانة بنت حاتم وشجاعة عدي بن حاتم، وجميلة أيضا بكرم وفروسية معشي الذيب ومطني بن شريم، جميلة برجالها ونسائها الحاليين وشبابها وشاباتها الذين اكتسبوا من أجدادهم كل معاني القيم العربية الأصيلة، والذين كانوا أشد الحرص بتقديم صور إيجابية عفوية عن أنفسهم ومدينتهم يعكسون فيها معنى الانتماء لحائل وللوطن،
الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذه الرحلة : سمو الأميرة عادلة بنت عبدالله وسمو أمير منطقة حائل الأمير سعود بن عبدالمحسن والشكر لفرع هيئة السياحة في حائل ممثلة بالأخ الفاضل خالد السيف وإلى الفريق المرافق لنا ومنهم عبدالرحمن الصمعان وفارس السلامة،،،
وكل التقدير لشباب وشابات حائل.