سمر المقرن
ليس بالضرورة أن يكون استغلال الأطفال والمتاجرة بهم على شكل واحد، فثمّة أشكال عدة ترتبط بهذا السلوك الذي لم أجد له وصفاً سوى أنه «دنيء»، فبعد أن كان استغلالهم يُعرف بصور محدّدة أبرزها جعلهم أداة استعطاف للتسوّل، أو تزويجهم المبكّر لهدف مادي، أو إرغامهم على العمل والمشقّة وغيرها من الصور «المنحطّة»، برزت مؤخراً صور أخرى تتغلّف بغطاء»نخبوي» وفريد من نوعه، إذ أصبح الأطفال معها تحت تهديد لا يدركون معناه وماهيّته، والمحزن أنهم باتوا عرضة لهم عن طريق أسرهم.
نتذكر ظاهرة الطفلة البحرينية «حلا» التي جعلها أبواها وجهاً حاضراً في أكثر من برنامج تلفزيوني حتى حققت الشهرة والوصول وهي لم تبلغ بعد العاشرة من عمرها عند ظهورها الأول، تلك البريئة التي لم يتم التعامل مع موهبتها بالشكل الأمثل وجدت نفسها تتنقّل بين القنوات والمسارح والمهرجانات في دول عدة، وسمحت من غير إدراك أن يُطلى وجهها النقي بأصباغٍ لوثّت «حلا» محيّاها وطفولتها، كل ذلك -بكل أسف- حدث بإشراف ومتابعة من والديها، تلك الحالة يمكن وصفها بأنها الأشهر لكونها تكاد تكون نقطة البداية التي فتحت الباب أمام مزيد من الأسر لإطلاق أطفالها، فبعد نجاح التجربة البحرينية، تزايدت الحالات المشابهة، وعزّز من ذلك تزايد استخدام برنامجي «انستقرام» و»سناب شات» اللذين قدّما للمستخدمين حسابات ظاهرها أطفال أبرياء، وباطنها آباء أشقياء، يعملون على إدارتها و»الاسترزاق» من خلالها.
كنت في أحد المعارض المقامة في مدينة الرياض خلال هذا العام، وأثناء تواجدي وتجوّلي لفت نظري تجمّع مُثير للاستغراب في إحدى جنباته، وبعد أن اقتربت وجدت فئات عمرية مختلفة تتسابق على التصوير مع مجموعة أطفال من مشاهير الـ»انستقرام» ممن يحظون بمئات الآلاف من المتابعين، حينها أضحت أركان المعرض وأجنحته المتنوعة مُهملة مهمّشة إلا من بعض المهتمين، بل أنني شاهدت بعض الحسابات المؤثرة في مواقع التواصل الاجتماعي وهي تعلن عن تواجد هذا الطفل وهذه الطفلة في اليوم التالي من المعرض، سعياً لاستقطاب جماهيرهم، وبالتالي تحقيق مزيد من الزوار.
يبدو أن تلك الظاهرة يسيل لها لعاب عدد من الآباء، وذلك لأهداف مختلفة أبرزها -حسب رأيي- الشهرة والمال، ما يدفعهم لاستغلال ما لدى أطفالهم من إمكانات شكلية أو ضمنية وتقديمها للجمهور في إطار تُغتال معه الطفولة الحقيقية، وليس آخر أولئك الضحايا من تغنّى بـ»خلّك رجّال» و»الله الله يا محمد» التي عرّضته لوابل من السهام الساخرة لأسباب هو يجهلها، لكونه أداة يتم تحريكها بلا وعي منه.
صدقاً لا أعلم كيف يمارس الأطفال الضحايا حياتهم، وكيف يتعايشون مع أقرانهم ويجالسونهم، لا أعلم كيف يمكنهم القيام بسلوكياتهم الطفولية المعتادة وهم في كل مكان تحطّ فيه أقدامهم يصبحون محط أنظار الجميع.
لست ضد ظهور الأطفال وشهرتهم إن كان في هذه الشهر هدف سام، لكن من المؤسف أنني لم ألحظ أي أهداف سامية في ظهور أطفال مشاهير عدا قلة معظمهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
أطفالكم أمانة أيها الآباء، امنحوهم ما يستحقون من الحياة واللعب والمرح، ولا تجعلوهم عرضة لاستغلالكم الذي يتسبّب في حرمانهم من مرحلة طفولتهم، تلك المرحلة التي يتمنى الكثيرون أن يعيشوها مجدداً، حيث لا هموم ولا أضواء، وإنما فرح ونقاء، فاحفظوا زهوركم واعتنوا بها كما ينبغي!