أ. د.عثمان بن صالح العامر
معدل النجاح الفعلي، وعنوان التميز الحقيقي، وبرهان التفوق والجودة في أداء المؤسسات التعليمية يختلف باختلاف الثقافات وتباين المفاهيم وتعدد البيئات وتنوعها، ونحن نقترب من نهاية العام الدراسي جال في خاطري سؤال عن مدى ما تحقق من نتائج تربوية وتعليمية في مدارسنا الحكومية والأهلية هذا العام، حاولت أن أسبر نظرة الكل لدلالة الإنجاز الإيجابي والنجاح الفعلي الذي حققوه طوال فصلين دراسيين حافلين بالغدوة والرواح من وإلى المدرسة، ومن خلال التفكير المسحي السريع وجدت أنني أمام أطياف خمس:
# من القياديين ومديري المدارس في الميدان التربوي من يعتقد أن مجرد التزام المعلمين والطلاب بالحضور في الوقت المحدد وعدم الانصراف والتسرب أثناء اليوم التعليمي والبقاء حتى نهاية الدوام من أول أيام العام الدراسي وحتى نهايته هو النجاح الذي يستحق عليه الطاقم الإداري في المدرسة الشكر والتقدير!!.
# وآخر يعتقد أن المشاركة في الأنشطة والفوز بالجوائز والدروع على مستوى المنطقة التعليمية سواء في المنافسات الرياضية أو الفنية أو اللقاء والخطابة هو النجاح!!.
# وثالث يظن أن مجرد التزام المعلمين بدخول الصف وعدم سماع ضجيج الطلاب أثناء الحصص الدراسية هو النجاح!!.
# ورابع يرى أن تفوق واحد أو اثنين أو حتى ثلاثة من طلاب المدرسة وتكريمهم من قبل مدير عام التربية والتعليم هذا العام في الحفل السنوي المعتاد نجاح للمدرسة يفتخر به جميع منسوبيها مع أنهم قد لا يكون لهم يد فيما حققه هؤلاء الطلاب!!.
# والغالبية تعتقد أن حصول أكبر عدد ممكن من الطلاب على درجات عالية وتقديرات مرتفعة هو النجاح والسبق الذي يستحق الإشادة والتقدير، ولذلك تجد المعلمين يتبارون في إعطاء الدرجات بلا وجه حق، ويلخصون الملخصات، ويسهلون أسئلة نهاية العام التي ربما المحوا لها في ثنايا الحصص الأخيرة هذه الأيام !!.
# والحق هنا أن كل ما سبق ليس هو عنوان التميز وبرهان الجودة ودليل التفوق وإن كان البعض مما قيل أعلاه يندرج فيها إلا أنها أعم وأشمل من هذه الخمس مجتمعه، ولذلك يجب في نظري نشر ثقافة الجودة التربوية بدلالاتها العامة في الميدان التربوي.
# لقد أضرت هذه النظرات التجزئية على مخرجات تعليمنا العام فصار الطالب ضحية الخداع الذي مورس معه حتى تخرج في المرحلة الثانوية بمعدل مرتفع وامتحان قدرات متدني وقياس ضعيف، وجاء يطرق أبواب الجامعة وهو هزيل ويعتقد هو في نفسه ويعتقد أهله فيه أنه مميز ومتميز!!.
# إن على إدارات التربية والتعليم أن تضبط ميزان الدرجات وتحدد مسئولية المعلمين في إعطاء المنهج المدرسي كاملاً وعدم التعويل على الملخصات التي تضر بالطالب وتضعف تكوينه المعرفي وقدراته المهارية، فهو في التعليم العام مازال في مرحلة البناء والتكوين الأولي الذي يؤسس عليه ويعتمد بعد الله في مستقبل حياته العلمية في المرحلة الجامعية وصولاً للأستاذية، فالمعارف تراكمية والعلم لبنات يأتي بعضها فوق بعض وصولاً للقمة كما هو معروف.
# أحياناً يصدمك صغيرك بالحصول على الدرجة كاملة، وعندما تسأله في بعض مفردات الكتاب يقول لك هذا محذوف، والمدرس قال الامتحان من الملخص، مع أنك تلحظ أن ما حذف حقه البقاء لأهميته وارتباطه المباشر بتكوين الطالب وبناء مهاراته المعرفية والتحليلية والنقدية مثلاً وعلى ذلك قس!!؟.
# إن مثل هذه التجاوزات والتهاون يولد عدم الجدية، ويجعل الطالب وولي الأمر والمعلم بل وحتى الأسرة التعليمية في المنطقة تحسب أنها على شيء وهي ليست على شيء، ولذلك وجب التنوية في هذه الزاوية على هذه الظاهرة الخطيرة في نظري حتى نعرف أننا لسنا محققين للنجاح الذي ينشده الإنسان الجاد ويتمنى أن يراه في أولاده، مع جزمي الأكيد ويقيني التام أن الأمر نسبي ويختلف باختلاف المدارس بل والمناطق التعليمية ولكن ما أشرت إليه إعلاه هو الغالب الأعم عندي، ولذلك كان هذا المقال للإحاطة والاطلاع، وأتمنى أن يثبت غيري خلاف ذلك سواء من خلال دراسات أكاديمية متخصصة أو أرقام ومؤشرات رسمية معتمدة، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.