د.محمد الشويعر
المروءَة: هي آداب نفسانية فيها من حسن الأدب ومكارم الأخلاق وعلو الهمة، وشرف النفس، ففيها الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، وهي رعيٌ لمساعي البر ورفعٌ لدواعي الضر، لذا فإنَّ كلَّ آية من كتاب الله تأمر بفضيلة من الفضائل..
.. أو تنهى عن رذيلة من الرذائل فهي تدلُّ على المروءَة، وترشد إلى طريقها، التي تأمر بالتحلي بمحاسن الأخلاق، والتزين بجميلها: كما في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} سورة الأعراف، الآية 199.
إن المروءة سجيةٌ جُبلت عليها النفوس الزكية، وشيمةٌ طبعت عليها الهمم العلية، إنها حلية النفوس، وزينة الهمم، فالمجتمعات تنمو كنماء النباتات، وأنت تسعد كثيراً عندما يخرج النبات بثماره، فكيف بنا حين نُسعد من حولنا حسب ما نستطيع، وكما أمرنا به المصطفى عليه الصلاة والسلام في كثير من الأمور، وهي بسيطة جداً منها على سبيل الذكر: المروءة وحسن الخلق، والصدقة وأعمال الخير، إلخ.. فالله سبحانه وتعالى يعلي قدرك ويرفع شأنك في كل أمر حسن، وهنا بعض الأمور يؤثر فيها كل معاكس. وما يرفع من قدر هذه المجتمعات إلا أعمال وطبائع أهلها، وخلاف ذلك يضربها.
فالمروءة وحسن الخلق لها مكانة عالية، في نماء المجتمعات وسعادتها، لأنها تدعو إلى التآلف والترابط، وتحث على الأعمال الفاضلة، التي هي جزء من تعاليم الإسلام، فهي تشد القلوب، ووسيلة للترابط والتوادد، وتحث على الأعمال التي فيها المكارم، كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، رواه البخاري ومسلم، «إذ يأسر النفوس ويربطها بوشائج التقارب، ويدعو إلى التسامح والتحمل» .
وحسن الخلق يتباين مع الحسد، الذي يقوض المجتمعات، ويهدم بناءها تدريجياً، ويحيلها ركاماً بتأثيراته التي تقضي على أواصر المحبة.
ومن خصاله الدعوة للمحبة وترابط المجتمعات، أما الحسد فهو مبني على الكراهية، والحقد على الآخرين، وتمني زول النعمة عنهم، لأن من ركائزه التي بني عليها محبة نشر الفوضى في المجتمع.
ولأهمية المروءة وحسن الخلق في سعادة المجتمعات بنشر التناصح والمحبة بين الجميع، لذا حثت عليه تعاليم الإسلام، فقد قال رسول الله لأصحابه، لما أسروا «سفّانة» بنت حاتم الطائي، خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق، وبهذا وحسن التعامل معها، ذهبت للشام، ولامت أخاها، ومدحت له أخلاق الرسول فرجعت معه وأسلما.. وفي رواية جاءت مقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وقد مدح الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالخلق العالي، فهو أفضل البشرية، وأكملهم خلقاً وأحسنهم تأدباً وتواضعاً، كما قال سبحانه وتعالى في سورة القلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} الآية (4).
وقالت عنه زوجته عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، كما أن أباها أبو بكر الصديق الذي أعجب بأخلاق القرآن ومكارمه، قال: من أدبك يا رسول الله: قال: أدبني ربي فأحسن تأديبي. وما سوف نمرّ به لماماً في هذا الحيز، إنما هو بعض من مكانة حسن الخلق وأثره الاجتماعي في تأصيل هذه الخصلة بالدعوة إلى دين الله، حيث يدفع إلى حسن الحديث، وطيب التعامل، ومخاطبة العقول بما هو محسوس إليها، ومحبب عند جميع المجتمعات، بالتسامح وتمكين العلاقات.
فالتأدب بأحسن الأخلاق ينعكس على طبائعه: صدقاً وأمانة، ورفقاً وتسامحاً، ومخاطبة العقول بما هو محبب إليها، وتحملاً لما يتبادله مع الآخرين، انطلاقاً من مفهوم هذه الآية {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} سورة الأعراف، الآية 199.
وهذا مما يؤدي دوراً إيجابياً ترتاح إليه النفوس، وهذا منهج الإسلام في دعوته لحسن الخلق، كما في الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) حديث صحيح، وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحة: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقاه بوجه طلق).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطاه الله جوامع الكلم، فكانت كلماته وأحاديثه ومعاملاته، كلها دعوة إلى حسن الخلق. وعصرنا الذي نعيش فيه، لا يؤمن الناس فيه، ولا يقتنعون فيه إلا بما هو محسوس وظاهر تراه في التعامل.
فقال بعض السلف: خلق الله الملائكة عقولاً بلا شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقول، وخلق ابن آدم وركّب فيه العقل والشهوة، فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة، ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم.
إذا فاعلم أن المروءة هي استعمال كل خلق حسن، واجتناب كل خلق قبيح؛ فإن لكل عضو من الأعضاء مروءة على ما يليق به:
- فمروءة اللسان: حلاوته وطيبه ولينه.
- ومروة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض.
- ومروءة المال: بذله في المواقع المحمودة شرعًا وعقلاً وعرفًا.
- ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه.
- ومروءة الإحسان: تعجيله وتيسيره، وعدم رؤيته، وترك المنة به.
وهذه هي مروءة البذل والعطاء، أما مروءة الترك فتعني ترك الخصام والمعاتبة، والمماراة، والتغافل عن عثرات الناس.
وللحديث صلة....