د.محمد الشويعر
لقد عظَّم الله حق الوالدين، وأكّد ذلك رسول الله، فصار حقهما أمراً واجباً واستجابة دينية لله ولرسوله، يقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} سورة الإسراء، الآيتان 23، 24.
إن للوالدين على أبنائهما حقوقاً كبيرة، ومكانة عظيمة، فهما سبب وجودك أيها الشاب في الحياة، فكم تعبا من أجلك، وكم سهرا على راحتك، وكم تحملا من العنت والمشقة حتى ترتاح.. لكن العاقل يتألم عندما يقرأ في الصحف نماذج من العقوق، فالحيوانات والعجماوات، تأنف من أعمال تبدر من بعض البشر، وما يعمل ذلك إلا بعض الشباب الذين وقعوا في الموبقات. وما هذا إلا من ضعف الوازع الإيماني، فإذا خف ميزان الدين، أيها الشاب، فإن المرء يتبع النفس هواها، وينفلت الزمام، فيتحمل المرء وزر هذا العمل.
فقد سلط على الشباب مغريات، وبدأ التأثر من جلساء السوء، حيث بدأت -يا معشر الشباب- الموازين تتغير التي بها خفّت عند أجيال هذا الزمان، مكانة الوالدين، وقلَّ عندهم احترامهما، مع أن الله -سبحانه- قد قرن الإحسان إلى الوالدين بعبادته، ونهى أن يبدر من الآداب، أبسط دلائل الضجر (أفٍّ) أو رفع الصوت عليهما أو أحدهما (ولا تنهرهما). وما أكثر ما نسمع ونرى، من نماذج العقوق، بل معاملتهما أسوأ معاملة، فاحذر أيها الشاب أن تكون معيناً على ذلك، وأن تكون ولد سوء، أو داعياً إلى السوء ضد الوالدين مهما بدر منهما، وقابله بالإحسان ولين الجانب.
فكلنا نقرأ ونسمع أخباراً متفرقة في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، أخبار يقشعر منه الجلد، كإنسان، في مجتمع محافظ على قيم وتعاليم الدين الإسلامي التي تحث على رعاية الأبوين وبرهما، والرأفة بهما والحنوِّ عليهما، بعد ما أديا أدواراً كثيرة على أبنائهما، ورعايتهم والاهتمام بكل ما يهمهم، عناية طبية وحناناً قلبياً وحنواً ومودة أن يبطش بهما.
فأنتم -معاشر الشباب- عليكم أمانة ثقيلة ويرجى منكم القدوة الصالحة بأبويكم أو أحدهما، لأن المجتمع ينظر إليكم بأن تكونوا دعاة خير، ومعينين على تكوين المجتمع الصالح، المتحاب المترابط، بين أبنائه: مودة ورحمة وتآلفاً ومثالية يقتدى بها، عن العقوق ونكران الجميل، وعصيان الله بحق الوالدين.
ونسمع من قتل والده، أو أمه، على أثر خلاف حدث بينهما، لا حول ولا قوة إلا بالله.
فمثل هذه الجرائم الشنيعة، بحق الوالدين التي أخافت كل أسرة، فما بالك أيها الشاب بما تنشره الصحف الأخرى، ألا تدل على أن العقوق قد كثرت، وحقوق الله قد أهدرت. وأنها لا تصدر إلا من قلوب مات فيها الإحساس، وضاع الإيمان، وإذا بحث العاقل في الأسباب، يرى أن وراء ذلك، غزواً مقصوداً به شباب ديار الإسلام، وسلاحه المخدرات والمسكرات التي تسيطر على من يزين له تعاطيها.. فهي تذهب العقل والمال والصحة، وهي من أخطر الأدواء الاجتماعية التي عرفتها البشرية. إنها أخبار مؤلمة، ونتائج مسيئة، تقضي على المعنويات، وتنتهك بسببها الحرمات، علاوة على الصحة والمال والدين.
فإذا عرفت هذه البشاعة الكبيرة، فإنك أيها الشاب عليك أن تتبصر في مثل هذه النتائج، التي تأتي بسبب هذه المؤثرات من العصيان والعقوق.
فكيف بمن يتخلص من الأبوين أو أحدهما عند الكبر، بالتعاون بين الأبناء، وحمل أحد الوالدين، باسم مراجعة المستشفى لعلاجه، ثم يرمى بإسعاف أحد المستشفيات، أو عند باب دار العجزة، ثم الذهاب ليصبح مجهولا، لا يُعرَف وليّه ولا من أودعه.. وقد يكون لبعض زوجات الأبناء دور في التأثير والتبرم، وبعلل أخرى تُبتكر. فاحرص أيها الشباب، أن تأخذ من هذه الأمور عظة وعبرة، وأن تكون أولاً باراً بوالديك، ممتثلاً أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومؤثراً فيمن حولك.. وبعد زواجك اغرس في زوجتك أثر العناية بمن لديك من الوالدين، وبث هذه الروح في الأقرب ثم الأقرب، ومن تعاشر، من زملاء الدراسة والعمل، ومن المعارف والجيران، إنها دعوة خير وفق أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وللحديث صلة....