د.محمد الشويعر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادق الأمين، نبينا محمد الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
واستكمالاً لما تحدثنا عنه في الأسبوع الماضي،
من مقالنا «المجالس العصرية»، وأبرز إيجابياتها والتي تحدثنا عنها بشكل بسيط ومختصر، أما عن سلبياتها والتي تطغى كثيراً على الإيجابيات، فإن هناك كثيراً من المصائب السيئة لهذه الوسائل، من نشر المحرمات المرئية والمسموعة وينسى الناشر عظيم الإثم في نشرها، فإن عليه من الآثام بعدد من سمعها أو رآها. قال صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). ويزداد الإثم ويعظم إذا كان فيه نشر للفواحش، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) سورة النور.
كما أن هذه الوسائل قَرَّبَتِ الرِّجَالَ مِنْ النِّساءِ، وَالشَّبَابَ مِنْ الفتيات، فَأَوْقَعَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُيُوتِ الرِّيَبَ وَالشُّكُوكَ، وَأَوْصْلَتْ بعضَ الأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ عَتَبَةَ الطَّلاَقِ بَعْدَ الْخِصَامِ وَالشِّقَاقِ. وأيضًا أوصلت كثيراً من الشباب والفتيات إلى الانحراف بدرجاته وأنواعه المختلفة. وَكَمْ مِنْ فَتَاةٍ غُرِّرَ بِهَا عَنْ جادة الحق، وَهِي لا تَعْرِفُ للشر طَرِيقًا، وَلَيْسَ فِي قَلْبِهَا أَيُّ رِيبَةٍ؛ وَلَكِنْ صَدَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِاِمْرَأَةٍ إلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) وَقَدْ هَيَّأَتْ بَرامِجُ التَّوَاصُلِ خَلْوَةً - بطريقة جديدة - بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لِلْحَدِيثِ وَالمُؤَانَسَةِ وَالمُضِيِّ سَاعَاتٍ طِوَالٍ فِي أَحْلامٍ، وَسَهَرَ لَيَالٍ عَلَى أَوْهَامٍ؛ مع مكرٍ كُبّارٍ بجميل الكلام ووعود الخداع.
ولا يستطيع أحد أن ينكر دور شبكات التواصل في البحث عن وظائف أو تطوير وظيفي، أو معلومة، أو تبادل آراء؛ لذا يَجِبُ عَدَمُ الاِسْتِهانَةِ بِهَذه الوسائل؛ فَإِنَّهَا مَوْرِدُ بَحْرٍ مِنَ الأَوْزَارِ وَالآثَامِ إِنِ اِسْتُخْدمَت فِي الشَّرِّ. كَمَا أَنَّهَا مَجَالٌ رَحْبٌ وعظيم لِكَسْبِ الْحَسَنَاتِ إِنِ اِسْتُخْدِمَتْ فِي الْخَيْرِ، وَلَمْ تُضَيَّعْ بِسَبَبِهَا الْوَاجِبَاتُ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (80) سورة الزخرف.
ولعِظم الخطر من هذه المواقع بما فتح الله به على البشرية من علوم التواصل والاتصال الاجتماعي فصارت أصابع الناس هي من تتحدث أكثر من ألسنتهم، لذا فقد تحول الكلام والحديث من اللسان إلى الأصابع، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!)، وَقَال عَلَيهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فيجب علينا أن نستخدم هذه المواقِع فيما ينفعنا ولا يُغضِب الله، ولا يضرُّ بالأمة الإسلامية ولا بالأوطان، فنحن نرى (الحاقدين) يبذُلون قصارى جهدهم لتجنيد أبناء الدول العربية للإضرار بأوطانِهم لصالح تلك الدول الحاقدة، بنشر الشائعات والمعلومات غير الحقيقية مما يحدث البلبلة وعدم المصداقية وكل هذا تحت راية شعار «الحرية» بل يجب على المسلمين أن يُدافعوا عن دينهم، والصد عن تشويه صورة الإسلام والمسلمين.
ويبرز هنا واجب الأهل في مراقبة أبنائهم ومنعهم من الجلوس لساعات طويلة أمام الإنترنت، وإذا لزم الأمر أن يكونوا صداقات مع أبنائهم في تلك المواقع وأن يضع الآباء قواعد أكثر صرامة لأبنائهم حفاظاً عليهم.
فكلنا يعلم أن شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة رائعة للبقاء على اتصال بالأصدقاء والأقارب القريبين والبعيدين، كما أن علاقات الحب تتأثر سلباً أيضاً بالتواصل عبر شبكات الإنترنت، لماذا؟ لأن التفاصيل الصغيرة بين المحبين تذبل وتجف، وتصبح محصورة في تعليق وضغطة زر بالإعجاب، دون أن تجد المشاعر فرصة بالتعبير عن نفسها من خلال وسائط ووسائل حياتية حقيقية كالورود والكلمات ونبرة الصوت والنظرات العاطفية.
ومع تزايد استخدام هذه الوسائل تقل مهارات فن المحادثة عبر الهاتف، أو اللقاء وجهاً لوجه، وفي بعض الأحيان يكون مسبباً لأخطار قاتلة، كالتواصل أثناء القيادة فهو يعرض حياة الإنسان للخطر بشكل كبير. وقد بينت الإحصاءات أن 48 بالمائة من السائقين الشباب يستخدمون الإنترنت على الهاتف أثناء القيادة، ويؤدي ذلك إلى نتائج مأساوية نسأل الله السلامة للجميع.
ولي أن أقول: «تعددت الأسباب، والتواصل واحد» فكثرة البرامج والتطبيقات التي تؤدي إلى معرفة الكثير من التفاصيل عن حياة بعض الأشخاص وعائلتهم بينما أنت لا تعرفهم في الواقع الحقيقي وإنما تعرفهم في هذه الوسائل فقط لشهرتهم. كما في تطبيق (الكيك) و(السناب شات) و (البيري سكوب) وغيرها، وهو أن هذا المشهور أو أولاده أكلوا كذا وكذا بالأمس، وأنهم سافروا للبلد الفلاني وزاروا مكاناً معيناً، وأنهم فعلوا كذا وكذا، لكنك في الحقيقة لا تعرف شيئاً عما في نفس وعقل من يتابعك، قد يكون محروماً، فيحسدك على ما أنت فيه من نعمة، قد يكون فقيراً، فينظر إليك نظرة ازدراء لأنك تحتقره لقلة ما بيده.
ففي الحقيقة أنت لم تتواصل مع الناس حتى تعرف مشاعرهم وما يدور حولهم. قد تكون أنت متسبب عليهم بتصرفاتك وبسلوكياتك، حيث يتمنون أن يفعلوا مثل ما فعلته، فبهذا التواصل عبر الشبكات تتشوه بعض أنواع الصداقة.
فَيجب علينا أن نتقي اللهَ تَعَالَى وَنطيعه، وَنرَاقِبه فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ؛ ونحذر من فلتات اللسان، فَإِنَّ أَعْمَالَنا مُحْصَاةٌ عَلَينا، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (65) سورة يـس.
ولِمُوَاجَهَةِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ... نزَرْعِ مُرَاقَبَةِ الله تَعَالَى وَمَحَبته وَتَعْظِيمه، وَالْخَوْف مِنْهُ، وَرَجاء مَا عنده فِي نُفوس الأبناء والبنات والزوجَات والإخوان والأَخوات، ونـعاهدهمْ بِالمَوعظَة وَالتذكِير بَيْنَ حِينٍ وَآخَرَ.. وصلنا الله وإياك بحفظه ورعايته؛ والله الموفق.