د.محمد الشويعر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادق الأمين، نبينا محمد الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
قال الله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، خلق الله البشرية وأمرنا بالتواصل والتقارب، لتحقيق الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية والتقريب بينهم، ومقالي اليوم عن واقعنا الحالي المجالس العصرية التي هي مواقع «التواصل الاجتماعي» والتي غَيَّرَتِ الأَخْلاقَ وَالسُّلُوكَ وَأَنْمَاطَ التَّعَامُلِ بَيْنَ النَّاسِ، ولذا لابد أن نتعرف أولا ما المقصود بمواقع التواصل الاجتماعي، وما هي سلبياتها وإيجابياتها، لكي نستفيد منها فيما ينفع، ونتلافى سلبياتها فيما يضر.
مواقع التواصل الاجتماعي:
هي منظومة من الشبكات الالكترونيّة تسمح للمشترك فيها بإنشاء موقع خاص به، ومن ثم ربطه من خلال نظام اجتماعي إلكتروني، مع أعضاء آخرين لديهم نفس الاهتمامات والهوايات، وسميت اجتماعية لأنها أتت من مفهوم «بناء مجتمعات» بهذه الطريقة يستطيع المستخدم التعرف إلى أشخاص لديهم اهتمامات مشتركة في تصفح الإنترنت والتعرف على المزيد من المواقع في المجالات التي تهمه.
وللعلم فإن أول من أسَّس موقع للتواصُل هم مجموعة أصدقاء في مدرسة، وأطلق عليها اسم «classmates.com»، ومن بعدها أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أهمَّ ما يقصده الشباب على الشبكة العنكبوتية منذ تأسيسها، وهي الآن أحدث ثورة في طفرة عالم الاتصالات.
انتشرت هذه المواقع الاجتماعية بشكل كبير في أنحاء العالم مما أدى لكسر الحدود الجغرافية وجعلته كقرية صغيرة تربط أبناءه بعضهم ببعض. تطورت هذه المواقع شيئا فشيئا لتصبح الأشهر استخداما بين مرتادي الإنترنت، وبالتحديد الهواتف الذكية.
ولعل أبرز إيجابيات هذه المواقع:
التواصل مع العالم الخارجي بأكمله؛ لأنها وسيلة عابرة للحدود لتبادل الآراء والأفكار ومعرفة ثقافات الشعوب وتقريب المسافات، وكذلك ممارسة العديد من الأنشطة التي تساعد على التقرب والتواصل مع الآخرين، كما أنها تفتح أبواباً تمكن من إطلاق الإبداعات، والمشاريع التي تحقق الأهداف وتساعد المجتمع على النمو والازدهار، فهذا مما يزيد في العلاقات الخارجية، سواء الاجتماعية أو الفكرية السليمة الصادقة.
ومن أبرز سلبيات هذه المواقع:
تطغى سلبياتها كثيراً على الإيجابيات من النواحي التربوية الاجتماعية، ومنها غياب الرقابة وعدم شعور بعض المستخدمين بالمسؤولية، كثرة الإشاعات في نقل الأحداث، والمبالغة في بعض النقاشات التي تبتعد عن الاحترام المتبادل وعدم تقبل الرأي الآخر، انعدام الخصوصية و عزل الشباب والمراهقين عن واقعهم الأسري وعن مشاركتهم في فعاليات المجتمع، ظهور لغة جديدة بين الشباب تخلط بين «العربية والإنجليزية» من شأنها أن تضعف لغتنا العربية وإضاعة هويتها لدى الأجيال القادمة وتؤدي إلى اندثارها.
وبعد التعرف على أبرز إيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي لابد -كما أشرنا في البداية- أن نستفيد من الإيجابيات ونتفادى السلبيات؛ حتى ننعم بذلك التواصل دون مشاكل أو آثار قد تعود بالضرر علينا وعلى أجيالنا.
مواقع التواصل الاجتماعي..
سلاح ذو حدين:
حظيت هذه المواقع بانتشار كبير على الصعيد العالمي، وأصبح الجميع من مختلف الأجيال يستخدمونها، كباراً وصغاراً، بل هي أكثر المواقع زيارة في العالم، بما في ذلك الفيس بوك، واليوتيوب، والتويتر، وغيرها.
ففي السابق اقتصرت هذه الشبكات على مجموعات لديها اهتمامات مشتركة، ولكن مع انتشار الإنترنت تغيرت الطريقة التي يترابط بها الناس مع بعضهم البعض، فشبكات التواصل الاجتماعي تسمح للمستخدمين بالتفاعل مع الأصدقاء عبر المدونات والألعاب وتبادل الصور، وفي نظري يحتل موقع الفيس بوك المرتبة الأولى على مستوى العالم في مجال التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت، وقد استخدمت هذه المواقع مؤخراً في التجهيز للثورات الشعبية التي تهدف إلى إسقاط أنظمة من خلال إرسال دعوات للنزول إلى الميادين العامة للمعارضة والتظاهُر بها؛ مثلما حدث في ثورة تونس ومصر واليمن وسوريا.
كما أوضح علماء نفس من ألمانيا أن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت يجعل المستخدم أكثر انفتاحاً وصراحة وتصبح لديه قدرة كبيرة على المصارحة الذاتية، بالمزيد من المعلومات عن أنفسهم في صفحاتهم يجمعون أصدقاء أكثر، غير أن هذه الصداقات غير حميمة «أما الصداقات الحقيقية والحميمة فما تزال تتم وتستمر بعيداً عن الإنترنت».
وتوضح الدراسة أيضاً أن أضرار ومخاطر هذه المواقع بناءً على ما تم تطبيقه على طلاب المدارس الثانوية الذين يقضون جل أوقاتهم في كتابة الرسائل النصية أو على مواقع الشبكات الاجتماعية أو كليهما معرضون لمجموعة من السلوكيات المقلقة بما فيها التدخين والاكتئاب واضطرابات الأكل وتعاطي المخدرات والخمر والغياب المتكرر عن المدرسة.
لهذا فإنها تشكل عائقاً أمام إقامة علاقات عائلية اجتماعية سوية بين أفراد الأسرة الواحدة، لتأثيرها السلبي على التواصل الأسري وتخلق نوعاً من العزلة النفسية، وحذرت الدراسة من الإفراط في استخدامها، والتي زاد الإقبال عليها بشكل ملحوظ، حيث أصبح هناك قاعدة عريضة من الشباب ممن يستخدمون تلك المواقع بشكل يومي، وامتدت تلك القاعدة لتصل إلى شريحة الأطفال والمراهقين أيضاً. وللحديث صلة إن شاء الله في الأسبوع المقبل...