حسن اليمني
دائما ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة، هكذا بدأ تسطير ملحمة التحول الوطني من قبل الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد.
يبدو التخطيط والبناء للمستقبل في الغالب مزخرفا جميلا يشبه الأحلام باعتباره خارجا من فكر يحلق بجناحي الأماني والطموحات، وحين يماس الواقع تبدأ رياح القلق تعصف بالمفاجآت غير المتوقعة، وبالعزم والإصرار ومصارعة التحديات تشق الرؤى طريقها نحو التحقق والبروز إلى النجاح والتحول المنشود، وفي الغالب لا يمكن الانتقال بمجتمع ما من حال إلى حال دون مخاض واهتزاز بين عزيمة وإصرار وبين اجتهادات خاطئة لم تستطع استيعاب الرؤية بالشكل الصحيح أو مستأنسة بواقع تراه الأفضل من خلال بصيرة محدودة، وهذه تعتبر من أوائل التحديات التي تواجه صاحب الرؤية حتى قبل تنفيذها مما يحتم القفز عليها وتحمل تبعات هذه القفزة واحتواء أبعادها، وعلى سبيل المثال حين أطلق الملك فيصل رحمه الله التعليم النسائي ظهر ترددا في بعض المناطق باعتبار أن لا حاجة له لكن حين تم القفز والمضي قدما أصبح المترددون يطالبون بمزيد من المدارس والجامعات النسائية، القيادة الناجحة دائما تكون في رؤيتها أكثر بعدا واتساعاً وعمقاً من القاعدة كمنطق طبيعي فالذي في قمة الجبل يرى الوادي بشكل أفضل من القابع فيه.
الرؤية التي بنت مسار التحول الوطني لم تأت بخيال حالم بقدر ما أتت بتدارك للحقيقة، فالمقومات والأسس لبناء وطن متقدم لم تظهر فجأة بل كانت قوة كامنة ولكن لم تستغل، وقد بنيت الرؤية فعليا على هذه المقومات التي بنيت في ثلاثة مقومات أساسية تمثل شخصية هذا الوطن وهي البعد الإسلامي بوجود الحرمين الشريفين والبعد الاقتصادي بوجود الثروات الاستثمارية والثالث الموقع الجغرافي الإستراتيجي، ما يعني أنها إرادة نهوض بنت رؤيتها على حقائق موجودة حال دون ظهورها التردد والتأجيل الذي صنعه الاعتماد على قبول ماهو متحقق دون الالتفات إلى ماهو ممكن أن يتحقق أكثر لحفظ الهدوء، الهدوء ليس جميلا في كل الأحوال، أتذكر حين كان يستعان بطرمبات سحب المياه الجوفية لسقيا المزارع في القرى كيف كان ذاك الصوت يعطي روحاً وحيوية وانتشاءً يشق سحب الهدوء الكئيبة في النفس من شعور العزلة والوحدة.
إن تحويل مجتمع من حال إلى حال لاشك سيواجه تحديات وربما رفض من البعض وتشكيك من الآخر وتوجس وكل ذلك ليس مفاجئا بل هو منطقي وطبيعي وربما مطلوب ليخلق الحرص والحذر، والأمر هنا دقيق وحساس جدا، فقد يحور الرؤية ويحد من طموحاتها وهنا مشكلة وقد يحور الرؤية أيضا ويشطح بها عن هويتها وهنا مشكلة أيضا، والشفافية في الحراك هنا هي التي ستحميه وتدعمه متى ظهرت بوادر النجاح الإيجابية تتراءى وتظهر بشكل حسي ملموس، وقد ظهر في ملامح الرؤية قبول الرأي والحث على التفكير والإبداع ما يعني الاستعداد المبكر لاستيعاب ردة الفعل الاجتماعية في مخاض التحول وهو مؤشر إيجابي متقدم يعطي ملمح للصورة التي ترسم من خلال هذا التحول، بل إن البعد الثقافي والفني عد أحد المنافذ المرجو العبور من خلالها نحو تحقيق الرؤية في عملية التحول الوطني، وهنا لابد أن أذكر أن الفكر البناء لا يمكن أن يظهر إلا حرا وأن الحرية ليست بلا حدود أو قيود وإلا خرجت من نطاق الحرية إلى الفوضوية وبالتالي نحتاج إلى التذكير بأن قاعدة التفكير يجب أن تكون واضحة وهي هويتنا الوطنية والقومية والإسلامية وأي خروج عنها ربما هو خروج على حدود الحرية إلى الفوضوية.
اعتمدت الرؤية على الشباب وعدته من مصادر القوة والثروات الكامنة وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، لكن بناء الشباب يعتمد على الأسرة أولا وقبل كل شيء، ومنفذ تدخل الرؤية في الأسر لبناء شبابها يستوجب بناء الضبط والانضباط من خلال ضبط النظم والإجراءات والتعاملات والمعاملات بشكل عام ليصبح ثقافة اجتماعية تنعكس بأثرها على الأسر في تربية النشء، مثال ذلك احترام الحقوق والنظم واعتبارها مكسبا أكثر منها تسلطا وتعقيدا، وأوضح ما يمكن أن نراه مثالا مألوفا نجده في حراك سير العربات في الشوارع والطرق أو في حالة الانتظام في الصف بل وحتى في حالة التميز بين الذكر والأنثى والتفضيل بينهما الذي يخلق بذرة التسلط والتمايز في الحقوق ليكبر ويصبح حالة اجتماعية عامة، فقوة الشباب تكمن في سلامة سلوكه وطبيعي أن السلوك في غالبه محاكاة فلتكن الإجراءات والنظم والتعاملات والقواعد محفز اقتداء.
التفتت الرؤية إلى الصناعة العسكرية إضافة إلى المدنية كمؤشر لنظرة استراتيجية عميقة تنحى نحو زيادة القوة العسكرية لحماية المكتسبات والاعتماد الذاتي شيئا فشيئا للوصول إلى مستوى يحقق الاستقلالية في رؤية الأحداث والتأثير فيها كحق مستحق لدولة ريادية في مساحتها الإسلامية والعربية والاقتصادية والجغرافية، وهو ما سيفتح بابا واسعا للوظائف وعلاجا ناجعا للقضاء على البطالة أن اعتمد على السواعد الوطنية كما هو الحال في المصانع الحربية في الخرج وسيكون في حالة بناء مدينة صناعية عسكرية كما بشر الامير توجه ناجع سيمتص نسب البطالة ويبتلعها فعلا وهو ما يجعل مسألة ابتلاع مشكلة الإسكان أمرا سهلا خارجا مايطرح من حلول نظرية فحين تتوفر الوظيفة وحين يصبح الاحتفاظ بالأرض مكلفا تنكسر معضلة العجز في الحصول على السكن.
وعودة على قصص النجاح التي تبدأ بحلم ورؤية نرى مستقبل ناهض بإذن الله، ولكن الفشل يبقى في الاحتمال وتبعات الفشل وخيمة جدا على الجميع بحد سواء، ولهذا الأمر يحتاج إلى حزم وحسم وصرامه ولكن في المسار الدقيق الذي لا يخرج عن القاعدة الثابتة المتمثلة بالهوية الجامعة الراسخة في المجتمع والمتمثلة في التاريخ والعقيدة المسلم بها ليكون التحول الوطني تحول في الإنتاج والعطاء وليس في القيم والمبادئ التي يجب أن نحافظ عليها.