حسن اليمني
لقد كانت عاصفة الحزم التي أطلقها ملك الحزم والحسم صباح يوم الخميس 26-3-2015م صحوة سياسية تناغمت وانسجمت مع الوعي والفكر الانتمائي لهذه الأمة، وجمعت كل أطياف الفكر والرأي في صورة قلّ ما تتكرر، وكان ينتظر صحوة إعلامية تتجانس وتنسجم مع الحال الجديد لتدعم وتؤيد وتجيش ليقظة عامة تعيد لهذه الأمة قيمتها وتعلي هويتها، إلا أنّ بعض الكتّاب ووسائل الإعلام بكل أسف لم يرتقوا لمرحلة الاستيقاظ هذه من شدة الشعور بالانهزام والاستسلام للأمر الواقع، حتى أصبح الحس والشعور لدى هؤلاء أحادي الاتجاه أعور النظر، ما يتعرض له المسلمون والعرب من قتل وتدمير وتشريد على أيدي قوى امبريالية هو لديهم قضية فيها نظر ومأمأة، بينما عمل إرهابي جبان في أوروبا أو أمريكا الشمالية يصبح هولاً شنيعاً يستدعي تقديم القرابين ولطم الخدود، لقد نسيت القضية الفلسطينية وأصبح للكيان الصهيوني من يدعمه من العرب ويطالب ويدعو للتوافق معه والتصالح بصيغة السلام التي في حقيقتها تعني الاستسلام، وإنهاء المطالب بالحقوق والرضوخ للأمر الواقع، كما صار لدينا من يدين الإرهاب الصادر من عرب مسلمين ولا ينبس ببنت شفة في تدمير دول وتمزيق شعوب وقتل أبرياء كونهم عرب ومسلمين، لا بل ظهر لدينا أيضا من يعلن احتقاره للتاريخ العربي الإسلامي وينعته بأقبح الأوصاف، حتى ظهرت مقولة « يصدرون لنا الغذاء والدواء ونصدر لهم الموت والهلاك « مقالات صحفية يومية يسطرها مهزومون لا يرون رسالة للإنسان في هذه الحياة إلا في الدعة والاسترخاء، ولا يفهمون من الأمن والسلامة الا في حدود ذواتهم، وتردفهم قنوات فضائية تتعالى على التاريخ والإرث والحضارة العربية الإسلامية بالتزلّف والتملّق، غيض من فيض يحاول تثبيط العزائم ومخاشنة الفكر السليم بفكر خانع مهزوم.
إننا نشهد في بلادنا العزيزة نشاط سياسي يقود مرحلة تاريخية في أمة العرب والإسلام نحو المستقبل، لتخليص المنطقة من براثن التدخلات المشبوهة وإطفاء الحرائق التي نعرف جيداً من أشعلها ولازال، ولا أبالغ إن قلت إن القيادة السعودية اليوم هي أمل الأمة العربية والإسلامية ، لكن بكل أسف هذا البعض من كتّاب صحف وقنوات إعلام فضائي تابع لهذه البلاد، لا يستشعر هذا التغيير بالعمق المهني الكافي وكونه أي الإعلام بمثابة الواجهة المرئية والمقروءة للبلد الذي تتبعه، وان ما يدعو للدهشة والذهول، أن ما يتاح لهذه النخب الاستعلائية أضعاف أضعاف ما يمكن أن يتاح لرأي أو فكر يتفاعل مع الأحداث بنشاط أفضل وأعمق، برغم وضوح الرؤية السياسية والاتجاه الفعلي للتفاعل مع الأحداث وإدارتها لصالح الأمة، وفي كثير من الأطروحات الإعلامية سواء مقروء أو مرئي نرى انشغال بإطفاء جذوة اليقظة في الوعي والفكر حتى ليخال للمتابع والمراقب أننا إزاء إعلام مختطف، أو لنقل عقول مستلبه مهمتها تعطيل أي محاولة خروج من محيط الهزيمة والخنوع.
وإذا كانت حرية الرأي والفكر مكفولة ومحفوظة كحق قدرته الدولة وأتاحته بمساحة واسعة، فإن استخدام هذه الحرية في النيل من الهوية الجامعة التي لا يتنازل عنها أحد أياً كان مذهبه واتجاهه أو موقعه ومسئولياته، يعتبر بمثابة السوس أو الصدأ الذي يستوجب التطهير والتخلص منه، فالمهنية الصحفية والإعلامية لا تعني استنساخ مضمون المقتدى به، ولكن مسابقته في المستوى الاحترافي والإبداع في صناعة الرأي المتقدم الذي يسهل خدمة الرسالة النهائية، من خلال ذات الهوية والمضمون لهذا الإعلام المنحاز لقضايا أمته أو هكذا يجب، الحياد في الطرح والانحياز في المضمون هو ما يجعل طرح فكر مختلف قضية رأي عام تشد الجميع، لكن ما نراه بكل أسف في بعض وسائل إعلامنا هو فكر مختلف في الحياد والانحياز، حتى صار حين ينحاز ذات مرة وإن صدفة لقضايا الأمة، تكون قضية رأي عام، وأخيراً فإني ركزت على (بعض) للتأكيد بأن إعلامنا بشكل عام بخير، ويكفي أن يظهر هذا المقال ليثبت جودته وهو ينتقد ذاته.