حسن اليمني
انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية وسم بين مؤيد ومعارض لرأي معالي وزير الإسكان، حول أن مشكلة الإسكان مشكلة فكر، ولم يكن الانتقاد مهتماً بما كان يعنيه معالي الوزير بقدر ما كان ينتظر بيأس من الحلول قولاً آخر يظهر ولو بصيص أمل يعين ويساعد في بناء الأحلام أو حتى الوهم.
أنشئت وزارة للإسكان في عهد الملك خالد -رحمه الله-، وقد أنتجت فعلاً وحدات سكنية مختلفة بين أبراج وفلل في مناطق عدة من المملكة، إلا أن الاستفادة منها لم تظهر إلا بعد عشرين عاماً تقريباً من تنفيذها، ثم ألغيت هذه الوزارة أو دمجت مع وزارة الشئون البلدية والقروية، ثم أعيد إنشاؤها أو إحياؤها من جديد قبل فترة وجيزة وتولى إدارتها في هذه المدة القصيرة أكثر من وزير دون أن تنجز ما يستحق الذكر رغم تخصيص ميزانية ضخمة لها، وتسهيل تملكها للأراضي حتى ليخال للمتابع أن حل مشكلة الإسكان من المهام المستحيلة التي ليست بمقدور البشر، والأمر بالتأكيد ليس كذلك، فالمملكة تعتبر أكبر دول الخليج مساحة في الأرض وثاني أكبر مساحة في الوطن العربي بعد الجزائر وبما يساوي ثلثي مساحة القارة الأوروبية، ثم إن وفرة المال المخصص تبلغ من الضخامة ما يساوي ربما موازنة دولة، وفوق هذا وذاك تولي القيادة اهتماماً كبيراً لحل هذه المشكلة بأسرع وقت وتتابع وتراقب، لكن لا شيء للأسف.
حسب آخر معلومة إحصائية توافرت لي فإن ما نسبته 78 في المائة من المواطنين لا يملكون سكناً، أي أن هذه البلاد على سعة مساحتها لا يتملك فيها أكثر من 22 في المائة والبقية مستأجرون، وهنا قد أتفهم تكرار كلمة فكر من معالي وزير الإسكان لأكثر من ستين مرة لو كان وزيراً للتخطيط والاقتصاد الوطني المعني ببناء الاستراتيجيات التنموية، لكن أن يتجه معاليه في بناء الحلول لمشكلة أنشئت وزارته لمعالجتها بناء على أخطاء في الخطط التنموية، فالأمر هنا يصبح كإقرار بالعجز في حل هذه المشكلة، وإن كان الوزير بيّن أنه تم إعداد مشروع للحل وقدم لمجلس الشئون الاقتصادية دون أن يفصح عن شيء حول هذا المشروع، مكتفياً بملمح فكر ورؤية المجتمع ونظرته حول السكن التي يرى أنها يجب أن ترتقي وأن يُعنى بها لتساعد في حل مشكلة الإسكان، الأمر الذي فتح نافذة عبر التواصل الاجتماعي بين مغتاظ ومتفهم.
إن مشكلة الإسكان نتيجة إشكالية لم تعالج حتى الآن وأن أي محاولة لتوفير حلول لن تكون مجدية بالشكل المرضي ما لم تعالج الإشكالية الأساسية، والإشكالية الأساسية تكمن في إدارة خطط التنمية الخمسية التي لم تنتج فقط مشكلة شح السكن، بل أنتجت البطالة وشح مصادر الدخل للفرد المواطن، لقد كان الناتج الحقيقي لهذه الخطط تطوراً مادياً وعقارياً وتكثيف تجارة الاستهلاك واستيراد اليد العاملة بما يمكن عنونته بالبذخ والاسترخاء، في حين كان الواقع لا يعطي مثل هذا المعطى النظري لينقشع هذا الوهم بعد فترة وجيرة عن فقر وبطالة أفضت إلى شح في توفر السكن ونمو القروض البنكية للأفراد لسد الاحتياجات الاستهلاكية والكمالية لحماية صورة البذخ والاسترخاء التي رسمتها خطط التنمية، فإذا كان من حل حقيقي فلا شك أنه ليس في فكر المواطن وإنما فكر المسئول الذي رسم هذه الخطط، وأنتج لنا ما نحاول اليوم علاجه، إذ لا يمكن أن يظهر شح في وفرة الأراضي في وطن يتباهى بسعة مساحته إلا أن يكون هناك خلل ما في الرؤية للحاضر والمستقبل أو ربما غيابها تماماً عن عين المخطط والباني لاستراتيجيات الخطط التنموية، بمعنى أن المشكلة الحقيقية تكمن في أمرين: سوء فهم الواقع ربما لغياب المعلومة الصحيحة والدقيقة، وبالتالي ظهر البناء المستقبلي الذي بنته تلك الخطط بنتائج نحاول اليوم معالجتها، والأمر الثاني هو أننا إلى اليوم لا نريد أن نعترف بأن استراتيجيتنا في الخطط التنموية كانت وما زالت نفطية حتى وإن ظهر في خطة التنمية التاسعة ما يشير إلى الإنسان والإنتاج المعرفي، إلا أن حرق خمسة وأربعين عاماً في النفط أنتج لنا رماد هائل من فقدان الوقت وخسارة الاستفادة من جيل كان يفترض به أن يحل محل اليد الوافدة ويسد ثغرات الاحتياج، ودام أن الأمر مستمر بنفس الرؤية فكل حل يطرح هو بمثابة عملية ترقيع وتجميل تحافظ على لمعان المظهر وهي مدقعة في نخر المضمون.
المشكلة فكر؟ نعم لكنها ليست في المواطن ولا في وزارة الإسكان، حاجتنا لنقلة نوعية في الرؤية والتفكير أصبحت مصيرية، والانتقال من رؤية لرؤية تحتاج تغيرا شاملا وربما صادما ومؤلما لطبقات اجتماعية استأنست بمكتسباتها التي كسرت رقاب الطبقات الأقل وصنعت للوطن صورة الشعب الباذخ المسترخي الكسول بشكل ظاهري وفي عمقه الحاجة والعوز والبطالة رغم توافر الإمكانات.