حسن اليمني
حين ثار الشعب العربي السوري كان مطلبه إسقاط النظام، روسيا تدرك ذلك، العين الروسية هناك في أوكرانيا والعلاقة مع الغرب وسوريا نافذة روسية لترميم العلاقة مع الغرب.
ذكرى خروج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان مؤلمه وتؤرق فلاديمير بوتين لاشك، وإصرار جورج بوش الصغير على كذبته الحمقاء كلفت الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من مخالبها الخشنة والناعمة وهو ذات الإصرار أو الحصان الخاسر الذي امتطاه اليوم السيد بوتين، الطائرات الروسية الحربية تؤدي عملها بكل قوة لكن لا شيء حتى الآن تغير باعتراف السيد بوتين نفسه، عيون بوتين ترى التغير في تراكم تكلفة هذا الطيران والتدمير لكن لم تر حتى الآن ولن ترى إنجازًا يستحق ما دفع له، وفيينا واجتماعاتها تبدو كالمتنفس للمختنق بالأزمات لكن تبقى محطة مؤقتة لا توقف نزيف الصرف والخسائر المالية لقتل السوريين المستمر.
الولايات المتحدة الأمريكية اليوم في المشهد السوري أشبه بلاعب على دكة الاحتياط يرسم ويوجه اللاعبين بحكم خبرته دون أن يدفع من خزانته شيئًا بانتظار اللحظة المرتقبة التي تتكشف فيها أعراض الهزيمة على موسكو بشكل يسقط كثيرًا من أحمال المكابرة التي وضحت بوادرها حين طلب لافروف الاستعانة ليس بصديق وإنما بصديقين هما إيران ومصر وحين بيّن أن بقاء بشار ليس شرطًا للحل، أمريكا ليست مستعجلة فالوضع في سوريا يعمل لصالحها سواء بتورط روسيا أكثر وأكثر أو ازدياد حاجة إيران للولايات المتحدة من جهة واستنزاف الجهد السعودي والتركي من جهة أخرى، الكل يخسر في حين تبقى هي بمنزلة الميزان أو آلة القياس الذي من خلاله تشد أو ترخي حبال الأزمة بين فترة وأخرى للوصول إلى الغاية النهائية لها دون تكلفة تزيد عن جهود دبلوماسية، السيد أوباما يستخدم القوة الناعمة بديلاً عن منهج بوش الصغير المكلف، إرث بوش الصغير منح للسيد بوتين.
السعودية وتركيا لا خيار لهما فيما يخص بشار الأسد مندوب السيد علي خامنئي في الشام، القضية ليست في حل سياسي بل بالتوسع الإيراني خارج حدودها بما يفصل بين تركيا والعرب، أي أن نهاية المأساة السورية لا تنهي القضية الرئيسة بالنسبة للعرب الذين تمثلهم المملكة العربية السعودية بعد سقوط بغداد ودمشق وغياب القاهرة، وتركيا تريد نجاح الثورة التي تطالب بإسقاط النظام، أي أن الحل السياسي الذي اخترعته روسيا ولقى قبولاً من الولايات المتحدة ليس إلا جهاز تحكم بيد أمريكا لا أكثر، ربما أدركت روسيا اليوم بعد أن أوجعها دفع ثمن القوة كيف أنها قدمت للولايات المتحدة مفتاح خزانتها الاقتصادية من خلال ما اسمته الحل السياسي، كما أنه ليس بمقدور السعودية وتركيا الإنابة عن الشعب السوري وقواه المسلحة على الأرض إلا بقدر ما يوصل إلى الغاية التي قامت من أجلها الثورة وهي إسقاط النظام.
الثورة السورية اليوم ليس لها وجود بعد أن سحقت سلميتها وحل محلها أجنحة مسلحه تسعى كل منها لتحقيق أجندة تخصها هي وتختلف مع غيرها حوله، لو لا الوجود السعودي التركي القطري لربما نشهد إمارات الحرب المختلفة كالتي ظهرت في أفغانستان بعد خروج الاتحاد السوفييتي، وجود الدعم السعودي التركي القطري للثوار في سوريا واستمراره هو المؤهل لضمان عدم ظهور الأفغنة في سوريا لكنه أمر لا يهم أمريكا ولا روسيا بكل أسف، وهكذا تبدو القضية السورية برغم العسكرية الروسية والسياسة الأمريكية والدعم العربي التركي تتجه نحو التعقيد أكثر وأكثر بمزيد من الآلام والويلات.
خلافة داعش عراقية التأسيس امتدت لتصل إلى سوريا ومنها ظهرت فيالقها تضرب هنا وهناك بأعمال إرهابية أنست العالم القاعدة التي لم يعد لها ذكر، داعش عدوة الجميع والجميع لا يختلفون على ذلك لكنهم لا يتفقون على كيفية مواجهتها، روسيا تستخدم المأساة السورية لشراء مواقف أمريكية أوروبية بديلة في أوكرانيا والعلاقات الاقتصادية الروسية الأوروبية المتزعزعة بسبب شبه جزيرة القرم، السلعة في عين الروس ليست في عودة الأمن والاستقرار لسوريا بل هناك في شمال أوروبا، تحاول تبرير بقاء الأسد بالقول إنها تعينه في لجم فوضى داخلية، أمريكا تدرك أن هذا ليس مقنعًا لكنها تدرك أيضًا أن هذه فرصة لتمشيط القوة الروسية وإنهاكها، السعودية وتركيا وقطر ترى أن دعم القوى المعتدلة لإسقاط النظام السوري يتيح الفرصة لكشف داعش بشكل يسهل محاربته والقضاء عليه، عودة إيران إلى حدودها السياسة يجعل داعش وغيرها من التنظيمات المشابهة له سواء في الجانب السني أو الشيعي يجعلهم قضايا عربية داخلية، إذا كان ثمة رغبة من قبل روسيا وأمريكا للقضاء على ما يوصف بالإرهابيين فيكون من خلال إخلاء الساحة العربية من النفوذ الإيراني، ليس من العدل اصباغ صفة الإرهاب على المنظمات المتطرفة السنية دون الشيعية لكن هذا هو الواقع، روسيا، أمريكا، أوروبا لا ينظرون للمشكلة إلا بعين واحدة، العرب وتركيا ينظرون للصورة بشكل مختلف، هذا يعني أن شكل المنطقة العربية متجه نحو التغيير، الوضع يبدو ليس في إصلاح فوضى المناطق الملتهبة ولكن حماية ما تبقى، وهو ما يشير وبكل وضوح على أن الاعتماد على النفس ودعم القرار المستقل هو الدرع المتبقي لوقف تدفق الفوضى.