د. أحمد الفراج
نتابع ضرب التحالف الدولي لتنظيم داعش في العراق، وفي سوريا، ويلفت النظر أن هذا يجري وسط ترحيب واسع من معظم العرب، والمسلمين، وللتاريخ أود أن أذكّركم بأن معظم هؤلاء العرب، والمسلمين، المؤيّدين للهجوم على داعش، كانوا قد وقفوا وقفة حازمة ضد ضرب الولايات المتحدة للعراق، في عام 2003، وقبل ذلك ضد التحالف الدولي لتحرير الكويت، في 1991، وكانت الحجة هي أنها مؤامرة غربية تهدف إلى تدمير العالم العربي، وكأننا أمة متقدّمة يخشى هذا العالم الغربي من منافستنا له، أو أخذ زمام قيادة العالم منه، وننسى دوماً أن هذا الغرب هو الذي يجنس العرب، والمسلمين، بمن فيهم المتشدّدين، ويسمح ببناء دور العبادة لهم، بل ويدعمها من أموال دافعي الضرائب من غير المسلمين ، ونادراً ما يوجد تجمع إسلامي في العالم الغربي دون وجود مساجد، ومدارس، ومراكز تحتضن ممارستهم للعبادة، وطلب العلم.
وتساؤلات للتاريخ أيضاً، هل الغرب هو الذي جعل دكتاتوراً من شاكلة صدام حسين، ومضطرباً من شاكلة معمر القذافي يحكمون بلدانا عربية؟ وهل هو الذي سير المظاهرات للدفاع عن هذين المجرمين، وهل الغرب مسؤول عن تعلّق شريحة لا يُستهان بها من العرب بصدام حسين حتى اليوم، فما زلنا نقرأ المعلقات بمديحه، والأمنيات تترى بعودة حكمه، مع أن الأبدان تقشعر من جرائمه، ومن ضمنها رقص زبانيته برؤوس خيرة ضباط جيش العراق، بعد قطعها بطرق وحشية (المشهد المروّع موجود على اليوتوب)، وما فعله صدام من قتل، وتعذيب وحشي، وجدع للأنوف، وقطع للآذان يناهز بقسوته جرائم داعش، وهل الغرب هو المسؤول عن خروج الشباب العرب إلى مواقع الفتن باسم الجهاد؟ وهل الغرب هو الذي عدل دستور سوريا ليتمكّن بشار الأسد من وراثة والده؟ وهل الغرب هو الذي شحن مقاتلي القاعدة إلى اليمن؟ وهل الغرب هو الذي أمر القذافي بأن يشنق معارضيه في أستاد رياضي، أمام الجماهير، في مشهد بربري تتبرأ منه الوحوش، والأسئلة تترى، لا يحيط بها مقال محدود.
نحن أمة تهرب إلى الخلف، وتعوّض عدم مقدرتها على مجاراة الغرب باختلاق فكرة المؤامرة عليها، وهذا لن يزيدنا إلا تخلفاً، وأظن الوقت قد حان لنعترف بالحقيقة المرة، ونقول، نعم الغرب يسعى لمصالحه، وقد يتطلب تحقيق هذه المصالح إيقاع بعض الضرر بنا. هذا، ولكن إسقاط كل إخفاقاتنا، وتخلفنا على الغرب، بحجة أنه يتآمر علينا ليل نهار يجب أن تتوقف، فهذا الغرب الذي يتحالف معنا اليوم للقضاء على داعش، هو ذات الغرب الذي أنقذ مسلمي البوسنة، وهاجم الصرب المسيحيين لأجل ذلك، وحاكم زعيمهم المسيحي أمام محكمة الجنايات الدولية، وهو ذات الغرب الذي ساهم في حماية مساجدنا في دياره، وشاركنا أبناؤه فطورنا، وسحورنا، ولا ينكر المبتعثون تعاون أساتذهم الغربيين معهم، ومساعدتهم، علمياً واجتماعياً، فيا أحبتنا، هل ترون أن الوقت قد حان لقبر نظرية المؤامرة، ودفنها إلى الأبد، ونحاول أن نتعاون مع هذا الغرب، فهذا ما يتطلبه مستقبلنا، ومستقبل أجيالنا، فهل نفعل؟!