يوسف المحيميد
كلما تذكّرت كيف تعيش دول كثيرة من السياحة، وتبني نسبة كبيرة من ميزانيتها من إيرادات صناعة السياحة، كمصر مثلاً، أو حتى دبي، أتساءل لماذا لا نفعل ذلك، خاصة ونحن نتميّز عن الأولى بقطاع خاص أكثر قوة ومتانة، ومتميز عن الثانية بظروف طبيعية، وتنوّع جغرافي أكبر، سواء من حيث المدن التي تنعم بطبيعة ومناخ معتدل حتى في الصيف، كمدن الجنوب التي ترتفع عن مستوى البحر بنحو ألف متر وأكثر؛ أو من حيث الجزر البكر التي لم تستغل من قبل قطاع رجال الأعمال المهتمين بصناعة السياحة، والذين يستثمرون في دول مجاورة!
قد يبدو التساؤل المهم، هو ماذا لو كنت - عزيزي القارئ - رجل أعمال، هل تستثمر في وطنك؟ أم في المدينة المجاورة الأكثر شهرة على المستوى السياحي؟ ولماذا؟ الإجابة الطبيعية أنك ستستثمر في وطنك، والجميع يجيب بهذا الشكل، لكن الواقع والبيروقراطية البغيضة في الداخل، مقابل التسهيلات المتوفرة في دولة مجاورة، قد تجعلك تصرف النظر، وتقرّر الهجرة بأموالك، فيخسر وطنك أولاً، وتخسر أنت ثانياً، لأن هذا الوطن زاخر بمقومات السياحة، إذ يكفي أنه ينعم بنحو 1300 جزيرة، منها 89 % موجودة في البحر الأحمر، وبعضها هائلة بمساحات مدن كبرى، بمعنى أن الأرض البكر موجودة، ولا تحتاج أن تدفن البحر كما في هذه المدينة المجاورة، كي تصنع جزيرة النخلة والشجرة وما إلى ذلك، فقط تحتاج إلى نظام سهل وميسّر للاستثمار في القطاع السياحي، فمن المعيب أن نمتلك كل هذه الجزر البكر، وغيرنا يدفن البحر من أجل جزر صناعية، وإنشاء شاليهات وفلل عليها يتم بيعها مبكراً على الخريطة!
كتبت مراراً أننا إذا كنا نريد أن نتقدم بسرعة كبيرة، وتتطور بلادنا في ظرف سنوات قليلة، علينا أن نسن القوانين والأنظمة في كل القطاعات، ونجددها باستمرار، وننفذها بدقة وصرامة، ونمنح مختلف التسهيلات للمستثمرين السعوديين والأجانب، فلا يمكن أن يتشجع المستثمر، سواء كان مواطناً أو أجنبياً، وهو يعرف أن ما ينجزه على مستوى الإجراءات في بلد ما خلال أسبوع، يحتاج هنا إلى إنجاز الإجراء نفسه خلال سنة، فهؤلاء المستثمرون يدركون جيدًا أن الوقت مهم للغاية في «البزنس»، مما يجعل مثل هذه الجزر مهملة، وغير مستغلة!
وهنا، لا ألوم هيئة السياحة والتراث حين لم تسوّق لهذه الجزر عند مختلف قطاعات الأعمال، ولا ألوم واضعي المقررات المدرسية الذين لم يعرفوا إلا بجزيرة فرسان من بين هذه الجزر التي تفوق ألف جزيرة، ولا ألوم الآلة الإعلامية التي لا تعرف من السياحة إلا المهرجانات الصيفية الساذجة، من غير أن تعرّف بهذه الجزر وغيرها من المناطق الرائعة للاستثمار في بلادنا، وإنما أعتب على عدم سن القوانين والأنظمة التي من شأنها تشجيع الاستثمار وتسهيل إجراءاته، حتى تدور عجلة السياحة بشكل سلس وطبيعي وتلقائي، ورغم ذلك، فإن مثل هذه الأنظمة، والدأب على سنها ووضعها، تبدأ من الجهة المختصة ذاتها أولاً، أعني هيئة السياحة والتراث، فهي مفتاح لكنز سري سيسهم في تنويع مصادر دخل الدولة، لو نُفض عنه الصدأ.