يوسف المحيميد
قبل أيام انطلقت أعمال ملتقى المسؤولية الاجتماعية الرابع تحت عنوان «البنوك السعودية.. تنمية وطن»، ورغم أن العنوان مهم ولافت، إلا أن الندوات وورشة العمل ركزت على آلية تنظيم العمل بين البنوك والجمعيات الخيرية كعلاقة مستدامة، والدعم المستمر لبرامج هذه الجمعيات، وهذا أمر مهم وجيد، ولا نختلف حوله، ولكن على هؤلاء المسؤولين في مجال المسؤولية الاجتماعية في القطاعات البنكية أن يدركوا أن هذه المسؤولية لا تقتصر على دعم الجمعيات الخيرية فحسب، وإنما دعم كافة الجمعيات المجتمعية الأخرى، في مجالات الثقافة والآداب والفنون والطفل.
فمثل هذه الجمعيات الخيرية، وكما هو معروف، يدعم حساباتها البنكية الخيرية في مجالات الصدقات والزكاة وكفالة اليتيم وغيرها، كثير من الأثرياء ورجال الأعمال، وحتى الأشخاص متوسطو الدخل، بحثاً عن الأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى، بينما باقي الجمعيات الأخرى، لا تمتلك القدرات التي تمكنها من القيام بالأنشطة والأدوار المجتمعية المناطة بها، ومع ذلك لا نسمع عن أدوار مهمة لهذه البنوك في دعمها، حتى لو كانت تتولى نشر العلوم والمعارف والفنون، لما في ذلك من أهمية في رفع وعي الفرد في المجتمع.
كثير من الشركات الكبرى والبنوك في العالم تتولى مثل هذه الأمور، فتقوم بدعم الثقافة عموماً، وخاصة في مجالات الفنون والآداب والمتاحف، لأنها في النهاية هي دعم غير مباشر للإنسان، فوجود هذه الفنون والمتاحف وازدهارها في أي بلد، يعني رفع مستوى وعي الإنسان وثقافته، بمعنى أن العناية بالإنسان، والاهتمام به، يجب ألا تقتصر على معدته، وإنما تتجاوز ذلك إلى ذهنه، ورفع مستوى ثقافته وتفكيره.
أتساءل أحياناً لم لا تبادر هذه البنوك المحلية لدعم الفنون التشكيلية والمسرحية والبصرية عموماً، خاصة أن جمعيات مثل جمعية الفنون التشكيلية، وبعض أنشطة جمعية الثقافة والفنون، لا يتوفر لها الإمكانات المادية لتنفيذ برامج ومعارض تشكيلية وورش عمل وغيرها.
أتساءل أيضًا لم لا تسعى هذه البنوك إلى خدمة الطفل السعودي، ودعم الأدب الموجه له، سواء بنشر القصص أو تنفيذ المسرحيات له، والأفلام الكرتونية وغيرها، خاصة أن المنتجات المخصصة للطفل، في مجالات الآداب والفنون، تخضع إلى شروط دقيقة، وتحتاج إلى مستوى رفيع من جودة المنتج، تفشل معظم الجهات الخاصة والجهود الفردية في إنجازها بالمستوى المطلوب.
والسؤال الأكثر أهمية، هو إذا كانت مثل هذه الملتقيات المتخصصة لا تثير مثل هذه الأسئلة، ولا تفتح ورش عمل تناقش ماهية مجالات المسؤولية الاجتماعية المنتظرة، ولا تتوصل إلى نتائج وتوصيات يمكن أن تغيِّر في مفهوم معنى المسؤولية الاجتماعية، وتجعله مفهوماً أكثر اتساعاً وشمولاً، فلن تصبح لها قيمة، ولا جدوى، لأن النقاش حدد سلفاً الجهات المجتمعية التي تستحق الدعم، واقتصر عليها، ولن يضيف مجالات جديدة، بحجج غير صحيحة، منها أن الدولة تصرف على مثل هذه الجمعيات والأنشطة، رغم أن طموح هذه الجمعيات الثقافية والفنية أكبر بكثير من إمكاناتها، مما يتطلب تعاون البنوك والشركات الكبرى معها، ودعمها باستمرار لتحقق الأدوار المجتمعية المنتظرة منها.