يوسف المحيميد
لم تكن زيارة الملك سلمان رغم أهمية الاتفاقيات الاقتصادية، وعدم فصل البعد الاقتصادي عن السياسي، مقتصرة على هذه الاتفاقيات المهمة التي تم توقيعها، وإنما هذا العمل الدبلوماسي الحيوي، والشعور الكامل بالمسؤولية على المستويين العربي والإسلامي، فضلا عن الدور الإقليمي للمملكة، ولمصر، هو الأكثر أهمية، خاصة بعد تسويق بعض الإعلام الحالم بتراجع هذه العلاقة التاريخية والاستراتيجية مع مصر.
نعم هناك نحو سبع عشرة اتفاقية مهمة للغاية تم توقيعها، منها ما هو متعلق بترسيم الحدود البحرية، ومشروعات الإسكان في سيناء، والطاقة النووية، وتجنب الازدواج الضريبي، وكذلك مذكرات تفاهم في مجالات عدة أبرزها الكهرباء، والتجارة، والصناعة، إضافة إلى برامج مختلفة للتعاون بين البلدين.
نعم هناك إعلان عن مشروع تاريخي يتمثل بإنشاء جسر الملك سلمان بين المملكة ومصر، كجسر بري مهم لا يربط بين بلدين إقليميين فحسب، وإنما بين قارتين، آسيا وإفريقيا، مما سيعزز التبادل التجاري أكثر بين البلدين، فضلا عن أنه سيُصبِح معبرا أساسيا للمسافرين بين البلدين، وسيخلق عددا هائلا من فرص العمل.
نعم هناك إشارة مهمة وعميقة تناقلتها وسائل الإعلام، حول التسامح واحترام الأديان، الذي تؤمن به المملكة وتدعمه منذ عهد الملك عبدالله- يرحمه الله-، بإنشاء مركز حوار الأديان، هذه الإشارة تمثلت في لقاءات الملك سلمان بشيخ الأزهر والبابا تواضروس، والحوار الحميم الذي دار بينهم.
نعم كل ذلك وأكثر تحقق من خلال هذه الزيارة التاريخية، لكن الذي سيتحقق أيضا في زيارة الملك سلمان إلى تركيا، بتفعيل مجلس التعاون السعودي التركي، وتحسين العلاقات بين مصر وتركيا، وعودتها إلى وضعها الطبيعي، من أجل العمل الجاد معا تجاه التحديات والمخاطر التي نالت من الأمة، وكادت أن تودي بها، لولا الحراك السريع والمتواصل والدؤوب والمسؤول للمملكة على المستويين العسكري والدبلوماسي، مما أعاد ترتيب الأوراق بشكل متميز.
كثيرة هي الخطوات التي قامت بها المملكة خلال عام واحد فقط، وكأنه في منجزاته السياسية والعسكرية على المستوى الإقليمي يعادل عشرة أعوام، وكثيرة هي الخطوات القادمة التي تشير إلى إعادة ترتيب كامل لأوضاعنا العربية والإقليمية، وكما كنت دائما أشعر بالتفاؤل رغم ما يشعر به بعضهم من ضبابية المستقبل، فإنني اليوم، وحسب مطالعاتي لردود الأفعال لزيارة الملك سلمان لمصر، أشعر بالتفاؤل أكثر، فالمستقبل يحمل سعيا كبيرا في تعزيز موقفنا السياسي، ودعم مستقبلنا الاقتصادي، سواء في عودة أسعار البترول إلى وضعها الطبيعي، أو في ترشيد الإنفاق الحكومي، أو في تنويع مصادر الدخل، وبرنامج التحول الوطني، والعمل على صندوق سيادي ضخم يحمي البلاد - بإذن الله - من أي أزمات اقتصادية قد تحدث... وغير ذلك من المشروعات الاقتصادية الجادة والطموحة.