يوسف المحيميد
كثيرًا ما تُطرح أفكار مختلفة بهدف المساهمة في تخفيف أزمة الإسكان، من برامج متنوّعة للوزارة، وتقديم تسهيلات مختلفة من أجل دعم المطورين العقاريين وشركات المقاولات الكبرى، لزيادة العرض من المنتج العقاري في السوق، بهدف تخفيف حدة ارتفاع الأسعار التي جعلت وحدات سكنية صغيرة جدًا في العاصمة تتجاوز أسعارها المليون ريال، وهو ما يفوق إمكانات المواطن متوسط الدخل، بالتالي لم تتغيّر الأسعار بشكل ملحوظ، لسببين هما، سيطرة المطورين الكبار على السوق، ممن لا يعنيه أن يحتفظ بوحدة سكنية جديدة، ويقفل بابها، بضع سنوات بدلاً من بيعها بسعر منخفض تبعاً لظروف السوق، والسبب الآخر أن وزارة الإسكان لا تستهدف القطاع الأكبر من الموظفين الشباب الذين يمثّلون الأزمة الحقيقية لتملّك المساكن في المملكة.
كل هذه الأفكار المطروحة، سواء من قبل الوزارة، أو القرارات التي سمحت للبيع على الخريطة، لن تؤثِّر بشكل ملحوظ على الأسعار، لأن الأولى تستهدف كبار السن، والعائلات الكبيرة، والأرامل، وما شابه، وهؤلاء يمثِّلون نسبة بسيطة من محتاجي المسكن، أما قرار بيع الوحدات العقارية على الخريطة الذي أقرَّه مجلس الوزاراء قبل نحو ست سنوات، تحت مظلة وزارة التجارة والصناعة، التي أسست برنامجاً خاصاً للبيع على الخريطة، فقد أشرف على نحو 29 ألف وحدة عقارية في المملكة، يظهر من خلال الموقع الإلكتروني للبرنامج أنها مخصصة لطبقة الأثرياء، سواء الفلل أو الشقق الفاخرة، مما يعني أن ذلك لن يحقق أحلام وطموحات الطبقة الوسطى، من الشباب ومتوسطي العمر، ذوي العائلات الصغيرة، الذين يمثّلون المحور الحقيقي على أزمة الإسكان في المملكة.
وإذا كانت معدلات العرض والطلب للقطاع العقاري في الرياض تشير إلى أن 6 بالمائة فقط من الوحدات السكنية تم تطويرها من قبل الشركات الكبيرة للتطوير العقاري، بينما 94 بالمائة من هذه المساكن تم تطويرها من قبل أفراد أو شركات تطوير صغيرة ومتوسطة، لم تستفد أصلاً من برنامج البيع على الخريطة، رغم أنها هي من يستهدف المواطنين ذوي الدخل المتوسط، فإن هذا البرنامج في وزارة التجارة لم يحقق المأمول منه، مع أن الهدف له على المدى الطويل، ليس فقط مراجعة التصاميم على الخريطة مع العملاء والنظر في متطلباتهم فحسب، وإنما التثبت من جودة التنفيذ ودقته، وسلامة الوحدات السكنية على مدى سنوات طويلة، وخصوصاً أن كثيراً من المواطنين تورّطوا بشراء مساكن جاهزة، اتضح أنها منفذة بشكل سيّئ، استخدمت فيها مواد تجارية رخيصة، جعلتهم يعانون كثيراً في صيانتها وترميمها بعد سنة واحدة فقط من الشراء، وأحياناً أقل من ذلك.
من هنا، على وزارة التجارة والصناعة العمل على تطوير هذا البرنامج المتعلّق بالبيع على الخريطة، وجعله أقل بيروقراطية، وأكثر ديناميكية، مع الحفاظ على الشروط القانونية له، والرقابة الفنية والمالية عليه، بما يكفل حقوق المواطن عند الشراء بهذه الطريقة.