أ. د. عبدالمحسن بن وني الضويان
تتميز بعض المشاريع بالريادة والشموخ واستشراف المستقبل، وجسر الملك سلمان الذي أُعلن عن العزم على تنفيذه هو أحد مشاريع التعاون العملاقة بين المملكة وجمهورية مصر العربية أثناء الزيارة التاريخية للملك سلمان حفظه الله، هذا المشروع تتعدد مزاياه لتشمل النواحي الاقتصادية والجغرافية والاجتماعية والسياسية، وحتى الإستراتيجية. الجسر سيربط دول الخليج العربي بالدول الأفريقية، بل إنه يصل قارة آسيا بأفريقيا، رابط اقتصادي قوي بين دول المشرق والمغرب العربي، له تأثير إيجابي على فرص الاستثمار الخليجي ودولة مصر وزيادة التبادل التجاري، ونقل البضائع بين طرفي الجسر، كما يمكن أن يشمل إقامة أنابيب لنقل البترول من دول الخليج إلى أفريقيا وبذلك يمكن الاستغناء أو على الأقل تقليل الاعتماد على ناقلات النفط العملاقة التي تقوم بنقل البترول عن طريق قناة السويس إلى دول أوروبا. ونستطيع أن نسترسل في فوائد وعوائد هذا الجسر المادية والمعنوية ويكفي أنه سيختصر المسافة بين مصر ودول أفريقيا وبذلك يتم الاستغناء عن النقل البحري أو تقليله إلى حد كبير للحجاج والمعتمرين ويُضاف إلى ذلك أن تنفيذ المشروع لن تتطلب أعباء تنفيذه مبالغ طائلة تجعله من الناحية العملية مكلفاً ويحتاج إلى تقنيات صعبة التحقيق. ذلك أن تكاليف إنشائه يمكن أن تتم عن طريق استثمار للمشروع لمدة محدودة لا تزيد على عشر سنوات ثم تنتقل ملكية الجسر إلى دولتي المملكة وجمهورية مصر العربية عن طريق اتفاقيات تتم بين الدولتين.
تتوفر في هذا المشروع الحيوي الحدودي المزايا الاقتصادية والمالية والعملية وإمكان التنفيذ بتكاليف لا ترهق الدولتين، بل إن تنفيذه سيخلق فرص عمل لمنفذي المشروع ولأسرهم على كافة المستويات الفنية تصميماً وتنفيذاً وإشرافاً وتشغيلاً.
وبهذه المناسبة أود أن أتقدم برجاء إلى المسؤولين عن المشروع من جانب المملكة العربية السعودية، وهو أن يكون لأبنائها دور فاعل في كل مراحل تنفيذه، وأعني بذلك الاستفادة من المؤهلين من أبناء المملكة في المجالات الهندسية بتخصصاتها المختلفة كالمدنية والكهربائية والميكانيكية والإدارية، ذلك أنه في السنوات الماضية وخلال تقريباً أربعة عقود تطور التعليم الهندسي في جامعات المملكة تطوراً ملحوظاً، وكثير من الجامعات لديها كوادر علمية وعملية ممن يحملون مؤهلات عالية حصلوا عليها من جامعات عالمية مرموقة، وساهموا في كثير من المشاريع الهندسية تدريساً وبحثاً واستشارات عالية الجودة. إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المهندسين السعوديين الذين يمارسون المهنة بكفاءة واقتدار.
مساهمة الكفاءات السعودية الهندسية بمختلف التخصصات بمشروع حيوي ضخم كجسر الملك سلمان له مزايا غاية في الأهمية وأهم ميزة هي غرس الخبرة الهندسية في جامعاتنا والمكاتب الهندسية وتأصيلها، والاستفادة من المشروع في رفع كفاءة المهندسين السعوديين وأعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا ونقلها إلى طلاب الهندسة وزيادة تأهيلهم هندسياً ومهنياً، فلا ينبغي أن يمر مثل هذا المشروع الجبار دون أن يكون له تأثير إيجابي على المهنة الهندسية، وفرص مثل هذه الفرصة يجب أن لا تفوت، بل يجب استغلالها إلى أقصى حدود الاستفادة المهنية، وللأسف كان لنا تجارب غير إيجابية في مشاريع سابقة خلال الثلاثة والأربعة عقود الماضية حيث مشاركة المختصين في المجالات الهندسية من أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا وممارسي المهنة كانت محدودة للغاية مع حرص الدولة على تمكين المهندس السعودي من المشاركة الفاعلة في هذه المشاريع عن طريق بنود تدريبية في ميزانية المشاريع، ولكن تفعيل هذه البنود كان محدوداً مما انعكس سلباً على الخبرة الهندسية التي كان يجب أن تتطور بشكل كبير مع مشاريع الدولة لأن الشركات الأجنبية للأسف التي نفذت المشاريع كان يهمها في الدرجة الأولى تحقيق أكبر ربح ممكن، أما تدريب الكوادر الهندسية فليس في أولوياتها، وآخر هذه المشاريع مشروع المترو والقطارات في مختلف مناطق المملكة حيث مساهمة المواطن المهندس في هذا المشروع محدودة جداً، أو قد تكون معدومة فمثلاً تحتاج الشركات المنفذة إلى خبرات في مجالات التقنية الجيو تقنية أي خواص التربة والصخور وطرق الحفر والذي استقدمت له حفارات تحفر التربة والصخر بتقنيات وكفاءة عاليه ربما لأول مرة في الشرق الأوسط ولم يستفد منها سوى المنافسة على تسمية هذه الحفارات ورصد جوائز لمسمياتها، ويمكن يُقال نفس الشيء عن التخصصات الهندسية الأخرى كتقنيات إنتاج الخرسانة وإدارة المشاريع ناهيك عن التخصصات كالكهربائية والميكانيكية وغيرها.
أتمنى أن لا تمر هذه المشاريع دون استفادة أبناء المملكة من المهندسين وأعضاء هيئة التدريس فائدة هندسية عمليهً، لذا أتوجه برجاء حار إلى المسؤولين عن تنفيذ مشاريع المترو والقطارات، وفيما بعد مشروع جسر الملك سلمان أن يجعلوا تدريب المهندسين السعوديين في هذه المشاريع أمراً ضرورياً وحيوياً، وأناشد وطنيتهم التي لا نشك فيها أن يعطوا موضوع التدريب الهندسي ومشاركة أعضاء هيئة التدريس في جامعات المملكة دوراً فاعلاً في هذه المشاريع.
والله ولي التوفيق.