أ. د. عبدالمحسن بن وني الضويان
لا شك أن الماء ضرورة لبقاء الحياة على كوكب الأرض، وقد وصف القرآن الكريم أهميته أوضح تبليغ، إذ يقول تعالى وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (30) سورة الأنبياء، فلا يمكن أن تستمر الحياة للإنسان والحيوان والنبات من دون الماء، لكن ما يزيد من أهمية الماء في المملكة والخوف من تناقصه هو شح الموارد المائية، وهذا هو قدرنا، فلا أنهر ولا بحيرات بل وحتى المياه الجوفية المخزنة في باطن الأرض منذ ملايين السنين استهلكت في مشاريع زراعية بدأنا نتساءل عن جدواها، لكن للأسف بعد فوات الأوان.
لذا فمصادر المياه لدينا محدودة، وتعتمد بشكل أساسي على تحلية مياه البحار، وهي تتقنية مكلفة جداً من حيث عملية التحلية ومن ثم نقلها مئات الكيلو مترات إلى مناطق المملكة المختلفة، فتكلفة الإنتاج والنقل عالية إلى جانب التشغيل والصيانة، وفي المقابل ما يتحمله المواطن من تكاليف المياه قليل نسبياً لا تمثل إلا جزءاً يسيراً مما تتحمله الدولة مما تسبب بلا مبالات من الكثير بالهدر المائي رغم الحملات التي تقوم بها الشركة للتوعية بأهمية الترشيد. واضطرت الشركة إلى زيادة قيمة الاستهلاك، وهذا أمر طبيعي ومقبول، لكن حصل خلل في تكاليف استهلاك الماء فاقت التصور، فصحى المواطنون على مطالبتهم بمبالغ بعضها خيالية لا ترقي إلى قيمة الاستهلاك الحقيقي، ووجد كثير منهم نفسه في مأزق وبين خيارين أحلاهما مُر، فإما التسديد وإما إيقاف الخدمة وقفل العداد ولا يفتح إلا بعد أن يقوم المواطن بدفع المبلغ المطلوب بغض النظر عن قناعته من عدمها. في كثير من الحالات المبالغ المطلوبة تفوق قدرة الخزانات الاستيعابية، وبعملية حسابية بسيطة يتضح أن مطالبة الشركة ليست واقعية وإن ظهر على الورق خلاف ذلك. عند مراجعة مكاتب الشركة يكون الجواب أن ما تطالب به من مبالغ هي استهلالك فعلي، ولو حاولت إقناع الموظف المسؤول باستحالة أن يكون المبلغ صحيحاً برره بوجود تسرب في الشبكة لديك، مع أن التسرب كما يوحي الاسم هو لكمية محدودة من الماء لا يمكن أن ترقى إلى ما تطالب به الشركة، ومن السهل تتبع التسرب وإيقافة لو وجد. المشكلة شاملة لمعظم المواطنين ولذا ترى ازدحامهم في مكاتب الشركة والكل يشعر بالضيق وعدم الإنصاف، لأن وسيلة الموظف فتح جهاز الحاسب وقراءة الأرقام فقط، هذا إن لم تكن حسابات تقديرية.
لا شك أن المسؤولين في شركة المياه تتوقع منهم أن يكونوا على مستوى جيد من الشعور بالمسؤولية، ولا ينبغي لأحد أن يزايد على ذلك، فمن يرفض النجاح في معالجة مشكلة المواطنين والدولة - رعاها الله - لا تقبل مطلقاً أن يحمل المواطن فوق طاقته، ولكن ما ينبغي عمله هو عدم الركون إلى أسباب قد لا تكون حقيقية مثل التسرب والهدر في الصرف، فمع هذه الفواتير العالية لا يمكن لأحد أن يستهتر بتوجهات الدولة ممثلة في شركة المياه الوطنية في ضرورة ترشيد الاستهلاك، لكن المشكلة في المبالغة غير الواقعية في فواتير الاستهلاك.
كما قلت أنا أتوقع بأن موظفي الشركة يهمهم أمر المواطن وعدم تعرضه للظلم وتكاليف عالية غير صحيحة. لكن لماذا لا يبحث عن أسباب أخرى قد تكون هي طرفاً فيها مثل عيوب في برنامج أو برامج الحاسب الآلي الذي تستخدمه الشركة في حساب الاستهلاك وقيمته، أو ربما أن العدادات المستخدمة قد مضى عليها زمن تحتاج إلى صيانة أو تغيير إلى جانب احتمالات أخرى كعدم الدقة في قراءة العدادات وغيرها يمكن أن تكون مسؤولة عن ضخامة الفواتير وتعديها الحدود المعقولة.
أعتقد جازماً أن المشكلة ستحل ولا يمكن أن يستمر الحال على وضعه الآن، لكن التحدي الكبير للقياديين في الشركة بقدرتهم على وضع أصابعهم على المشكلة وتحديدها بدقة ومن ثم معالجتها. لو تم ذلك فسيكون نجاحاً في إدارة الشركة من قبل هؤلاء الشباب وبالتالي سوف تعزز الثقة بابن الوطن وأنه قادر على تولي المسؤولية وإدارة دفة الشركة بنجاح يضاحي ما هو موجود في الشركات الأخرى التي تدار بأيدي وطنية ناجحة. هذا في نظري ما يجب أن توجه أنظار شبابنا إليه لحل المشكلة بمهنية عالية دون الحاجة إلى اللجوء إلى خبرات عالمية لمراجعة الوضع. أتمنى من كل قلبي أن يتولى شبابنا في الشركة دراسة الأمر دراسة عميقة ويخرجوا بحل ينهي معاناة المواطنين، عندها فقط يحق لنا أن نفخر بأبناء وطننا خاصة في شركة المياه الوطنية.
والله الموفق،،،