أ.د. يوسف بن أحمد الرميح
دفعت بلادنا ثمناً باهظاً لانحراف عدد من شبابنا للإرهاب بعدد من المسميات الرنانة لهم فلقد وقع عدد منهم في شباك هذه المنظمات الإرهابية وسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وأفسدوا وقتلوا آباءهم وأمهاتهم وأقاربهم بسبب ذلكم الفكر الشاذ الذي أخذوه من أرباب الفكر الضال وممن يحمل الحقد والكره والحسد لهذه البلاد الطاهرة.
والمتتبع للضربات الساحقة والاستباقية التي وجهها رجال أمننا وأسود الوطن لفلول الإرهاب من القاعدة لداعش لغيرها من أرباب الضلال والانحراف الفكري، يلاحظ وبوضوح قوة هذه الضربات وفاعليتها في الحد من الجرائم الإرهابية التي تهدف لتدمير وطننا وقتل مواطنينا وإفساد التنمية الشاملة التي نعيشها.
ومع فاعلية هذه الضربات ومع عدد من قتل من أفراد الفئة الضالة وعدد من جرح منهم والقبض على البقية وتتبع من فر منهم أمنيا وإعلامياً وهروبهم المستمر من أي تجمعات ومجتمعات، فالسؤال الكبير الذي يلاحظ مع كل هذه الأمور أننا مازلنا نرى عدداً من شبابنا يدخل في هذا المستنقع وفي هذه البؤرة الفاسدة ويكون حطبا لداعش والقاعدة وغيرهما، فما هي الأسباب في التحاق هؤلاء الشباب بهذه الخلايا الإرهابية التي ثبت فشلها وفقر وضحالة فكرها؟
هنا لا بد من وقفة جادة لمحاسبة النفس في الحاضنة الشعبية للإرهاب التي تشجع الشباب للهرب للجحيم حيث الموت والقتل والسجن والظلام، حيث السمعة السيئة والوصمة الاجتماعية الدنيئة. فلم نجد شاباً عاقلا يفاخر أنه عضو في هذه المنظمات الإرهابية، فما هي أسباب هذا الاعوجاج أو الثغرة في مجتمعنا التي تدفع بعضا من شبابنا للهرب من الواقع للوهم وللخيال المنحرف.
حتى نعالج الجرح قد يؤلم العلاج قليلا، وحتى تجرى عملية جراحية قد تحس بالألم ولكن الألم بحد ذاته ليس المقصود ولكن العلاج هو المقصود وهنا لعلنا نحاول أن نعري الجرح لنرى الأسباب التي دعته لعدم الالتئام بعد.
أحد خصائص مجتمعنا أنا مجتمع شاب صغير السن، حيث إن أكثر من %65 من سكان المملكة في سن الشباب، وكذلك هو حال غالب من قبض عليهم من الفئة الضالة هم وللأسف في سن الشباب، إذا هنا أحد مكامن الخطر فماذا أعددنا للشباب لحمايته من الفكر الإرهابي الذي يقوده للسلوك الإرهابي.
التربية والتنشئة الأسرية لها علاقة وثيقة بالإرهاب، فعندما يشاهد الطفل أو يمارس عليه عنف داخل المنزل يهرب للبحث عن مصدر حماية خارجه, وهنا قد يتلقفه أفراد الفئة الضالة.. إذا هنا واحدة من أخطر مسببات ومحاضن التحول للفكر الضال من القاعدة لداعش وغيرها, ومن الضروري أن نفعل لوائح وأنظمة لمنع العنف الأسري بصوره كافة وأشكاله الجسدية والجنسية والنفسية واللفظية وغيرها، كذلك البيت المهمل حيث لا يعلم الوالدان بحال الابن ومع من يسهر ومع من يسافر وأين ينام وهذا بلا أدني شكل من العنف العائلي. هنا دور للوالدين قد أهملاه وتركاه, ثم يأتي الوالد ليقول والألم يعتصر قلبه أنه تفاجأ بأن صورة ابنه في الإعلام كأحد أفراد الفئة الضالة, أو أن هذا الابن في إحدى الجبهات القتالية تحت راية القاعدة أو داعش أو النصرة أو غيرها. فهل دخل لهذه الفئات الضالة فجأة.. وللحقيقة لا إنما هي تربية وتسيب وإهمال من أطراف عدة أهمها وأولها الأسرة. وأخطر كثيرا من ذلك عندما يكون عند الوالد فكر ضال أو أن هذا الوالد للأسف يحضر لمنزله منشورات أو مطبوعات دعائية لداعش أو غيرها من المنظمات الإرهابية.
الشاب داخل المدرسة عندما يحاول الهرب منها أو عندما يحضر للمدرسة تعلو وجهه كدمات من عنف في المنزل، للأسف هنا دور المدرسة الاجتماعي والتربوي للتعامل مع مثل هذه الحالات. عندما يحاول الطفل أن يهرب من المدرسة فإنه يهرب للشارع.. يجب ألا ننسى أن عدداً كبيراً من أفراد الفئة الضالة لهم سوابق جنائية مختلفة، فهناك فئات من شبابنا هربت من المدرسة ولا ترغب في التعليم مطلقاً. وهنا دور المجتمع بمؤسساته المختلفة لاحتواء هؤلاء الشباب وإعطائهم دورات فنية في الكهرباء والحاسب والسيارات وغيرها كثير ولا مانع من أن يصرف للطلاب ليتعلموا هذه المهن. أن نعلم الشاب المتسرب من المدرسة مهنة شريفة يكسب منها خيراً من أن ينحرف هذا الشاب ويصرف عليه في السجن، أو أحد أفراد الفئة الضالة أو مطارد من الجهات الأمنية، وهذا الشاب الهارب من المدرسة هو أحد الحواضن الشعبية للإرهاب. ومن الضروري والمهم فعلا إيجاد أخصائي اجتماعي بأسرع وقت ممكن في كل مدرسة دوره معالجة مشاكل الطلاب الفردية سواء كانت اجتماعية أو أسرية أو نفسية قبل أن تتحول لمشاكلات اجتماعية كبيرة وربما تنظيمات إجرامية. المرشد الطلابي في المدرسة دوره -حاليا- محدود بالمقصف ولكن يجب أن يكون في المدرسة أخصائي اجتماعي لعلاج مشاكلات الطلاب مع المدرسة ومع المنزل ومع الشارع، وقبل هذا كله مع الشاب نفسه, وذلك لأن كثيراً من هؤلاء الشباب لديهم تراكمات نفسية واجتماعية وفراغ جعلتهم يهربون من المجتمع الكبير لمجتمع آخر صغير منحرف فكرياً وسلوكياً. وقد لا يهرب للإرهاب ولكن أحيانا لجماعات مخدرات أو عصابات أو غيرها. والمدرسة من محاضن الإرهاب الشعبية إذا لم يحسن استغلالها ويجب أن يكون لها دورها الوقائي والأمني.. وقد تكون للأسف المدرسة عاملا مساعدا للإرهاب، فالمدرسة مع الأسرة تعتبر أن بحق أخطر المؤسسات الاجتماعية، فالمعلم له دور فاعل في صياغة وتشكيل عقول الصغار، ويجب على المعلمين عدم جلد الذات وعدم دفع الصغار للأخطار، فالمعلم الصالح القدوة هو من يقدم خدمة وأمن وطننا وخدمة أسرة الطالب قبل كل شيء. للأسف شواذ من المعلمين يدفعون بطلابهم «للهجرة» أو الذهاب للجبهات لقتال «الكفار»!!، وهذا يحتاج لفقه كبير وعلماء ثقات ومرجعيات دينية مثل هيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى وغيرها. ويجب على المعلم الابتعاد عن هذه الأفكار المشبوهة ولو طلب من المعلم أن يذهب بنفسه أو يرسل أولاده هنالرفض بكل قوة، ولكن للأسف لا مانع من أن يدفع هذا المعلم المنحرف هؤلاء الشباب الصغار ويغسل أدمغتهم للهرب من مجتمعهم للجبهات حيث الدماء والموت والعار.. المدرسة يجب أن يكون لها دور إيجابي أكثر، للأسف ما زالت بعض مدارسنا تتعامل مع الإرهاب وكأنه في كوكب آخر وأتمنى من كل مدرسة أن تجعل من الإرهاب وأمن وطننا قضيتها اليومية، لتطرح في الطابور الصباحي وفي الفسحة وفي الصحف المدرسية وفي المسابقات المدرسية وكل أسبوع يسمى بأسبوع أحد شهداء الوطن بحيث يشعر الطالب أنه جزء من هذا الوطن وجزء من المشكلة وأن هذا هو قدره وأنه لا بد من التعامل مع الإرهاب إيجاباً.
وأتمنى أن يشعر الطالب برموز الوطن مثل علم الوطن ويوم الوطن ومؤسس الوطن وأمن الوطن وغيرها من الرموز التي يجب أن يعيشها الطالب في يومه الدراسي مثلما يعيش مع الرياضيات أو البدنية أو القواعد وغيرها من المواد والنشاطات. ما المشكلة عندما نطرح موضوع مثل خطر التكفير والجماعات والأحزاب ووجوب السمع والطاعة لولاة الأمر في المواد الدينية وفي التعبير والقراءة والتاريخ والجغرافيا وغيرها. كم نحن فعلا في أمس الحاجة لأن نشعر الطالب بوطنه وأمنه وولاة أمره والأخطار التي تواجهه.
يجب أن نجعل من الصغير يشب على حب الوطن منذ نعومة أظفاره, وهذا ليس عيبا ولا خطاء بل الخطأ الذي دفع عددا من المراهقين لداعش وغيرها هو بالضبط إهمال هذا الجانب. عندما نحاول علاج الفكر المنحرف في المدرسة يجب قبلها نشر الفكر المعتدل، وعندما نطالب ببرامج لتدعم برامج مكافحة الإرهاب يجب أن ندعم البرامج التي تربي النشء التربية الصحيحة.. هل هذا يحصل؟ أتمنى ذلك. وللحقيقة نتطلع للكثير من ذلك وننتظر الكثير لتطوير التعليم خاصة في مجال الأمن الوطني ومن ذلك أن يكون هناك كشف حساب لكل مدرسة وكل إدارة تعليم في نهاية كل فصل دراسي.. ماذا قدمت للوطن وأمن الوطن، وحينها يجب أن يقال للمحسن أحسنت ولغيره بيتك أوسع لك.
نفخر ونعتز جميعا مواطني هذه البلاد المباركة أننا مجتمع متدين محافظ، فهذه هي التركيبة الاجتماعية لمجتمعنا في أنه مجتمع متدين بالفطرة, وهذه منة ومنحة لنا من رب العالمين بأننا مهبط الوحي ومنبع الرسالة وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومكان أقدس مقدساتهم. ولكن للمسجد في الصلوات الخمس المفروضة، خاصة خطبة الجمعة دور محوري في التنشئة الدينية للشباب، وذلك لأن الشاب يستقي منها الحق والباطل.
يجب كذلك أن نعلم أولادنا وشبابنا بأننا لا نستطيع حل مشاكل العالم أجمع، القنوات الفضائية والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة وبعض من الصحف والكتب والمعلمين والمعلمات والواعظين والواعظات وغيرهم أحب ما يتكلمون عنه هو جلد الذات, وأننا مجتمع سيئ غيرنا أفضل منا، ونحن في مؤخرة الركب وغيرها من الخزعبلات والخرافات والأوهام. يجب أن نبتعد عن جلد الذات ويجب نشر الفكر الايجابي ونشرح روح المرح والسرور بين الناس. نحن للأسف مجتمع يحب النواح والبكاء, وإذا ضحك الشخص منا خاف من عواقب الضحك، وهذه الثقافة (ثقافة الحزن) منتشرة عندنا بكثرة وبعمق، مشاكلات العالم الإسلامي تعرض علينا بأسلوب حماسي ناري، وهناك عدد من المراهقين ممن يستمع للخطبة وليس لديه فقه الجهاد وفقه طاعة الوالدين وفقه وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر.
ومع جلد الذات السابق ذكره بأننا مقصرون وأننا سبب انهيار الأمة، فهذا الشاب يهرب للجهاد ليدافع عن المظلومين والضعفاء حسب فهمه المغلوط، وهذا نبل تنقصه الحكمة بلا شك.. نحن أبناء الوطن هم من شحن هؤلاء الفتية للهروب لأماكن الحروب والقتال.. وكنت أتمنى من هيئاتنا الشرعية القيام بجهد بيان الأحكام في النوازل التي تصيب المسلمين بوضوح وشفافية مثلا ما حصل في أفغانستان عندما تتقاتل فئات من الأفغان وكل يسميه جهادا هل هو جهاد، أهل الحاصل في العراق وليبيا وسوريا ونيجيريا وغيرها كثير جهاد أم لا والموقف الصحيح والشرعي من القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام الخ..؟ والمستقبل يحمل في طياته الكثير. وبلا نقاش أن إحدى الحاضنات الشعبية للإرهاب هو ما تتعرض له العديد من الدول الإسلامية والعربية لغزو جائر وظالم، ولكن هل الحل أن يذهب صغار السن للجبهات. ويتعلم الشاب هناك السلاح وللأسف يتربى ويتعلم ثقافة دموية متوحشة من أناس معروف حقدهم وكرههم لهذه البلاد وأهلها ثم هم يزيدون هذا الشاب الصغير شحناً عاطفياً ويعلمونه حمل السلاح والتفجير ويعبئون عقله أنه لا بد من أن يبدأ الجهاد في وطنه المملكة قبل الجهاد هناك في الجبهات، وهنا دور المرجعية الشرعية لإيضاح الصورة.
كذلك يجب وجوباً أن نبين للشباب عدداً من المصطلحات الشرعية التي تستخدمها المنظمات الإرهابية لتجنيد الشباب مثل الغزو، وأن ما تعمله داعش والقاعدة وغيرهما ليس غزواً بالمعني الشرعي الحقيقي وكذلك السبي وأنه لا يجوز السبي بدون حرب معلنة مكتملة الشروط وهل تسبى النساء بهذا الشكل الذي فعلاً أعطى صورة سيئة للمسلمين وتعاملهم مع المرأة وأنهم قوم يبحثون عن المتعة الجنسية فوق كل اعتبار, وكذلك أخذ الجزية وأن الجزية لا تؤخذ بهذا الشكل المهين وهل هذا المنطلق الشرعي لأخذ الجزية وفعلاً من الضروري والعاجل صدور بيانات من الهيئات الشرعية لبيان أحكام مثل هذه المصائد التي يتصيدون بها شبابنا فهذه بلا أدنى شك من الحاضنات الشعبية للإرهاب.
مشكلة أخرى مع الحواضن الشعبية الإرهابية أنه كما ذكر غالبية سكاننا هم من الشباب, والشباب لديهم طاقات كبيرة ووقت فراغ، وهنا جزء مهم من المشكلة وهو وقت الفراغ ومن الضروري القضاء عليه بالترفيه المفيد من الأنشطة مثلاً، أتمنى أن تقوم كل أمانة وبلدية بعمل ملاعب للشباب داخل الأحياء كذلك خيمة أو صالة للجلسات الاجتماعية والسمر والكلام الطيب في كل حي. لأن يقضي الشاب جزءاً من وقته داخل الحي للعب الكرة أو في جلسة معروف أهدافها ومؤتمنة خير من ألا نعرف أين يقضي وقته ومع من، ويجب أن نشجع العمل الجزئي وهو أن يعمل الطلاب بعد العصر وفي المساء في المحلات التجارية والشركات والمؤسسات وغيرها نصف العمل بنصف الأجر، هنا نكسب عدة أمور مهمة لعل منها أن الشاب يكسب مالاً وهذا يقوي شخصيته ويزيد دخله ودخل أسرته ويقضي على وقت الفراغ لديه. كذلك آمل أن تفتح المدارس أبوابها بعد العصر وفي المساء لإعطاء دروس للتقوية التي تقوم بها الأسرة ونشاطات لا صفية مثل جماعة للرحلات وأخرى للمسرح وثالثة لتحفيظ القرآن ورابعة للرياضة والرسم والنحت وتعليم أمور منها الكهرباء والسباكة وميكانيكا السيارات. مدارسنا تعمل أقل من ربع اليوم وأتمنى أن تعمل على الأقل نصفه. بشرط أن يقوم بهذه النشاطات مدرسون ومدربون ثقات لا يخاف على الشباب منهم، وتكون هذه المناشط تحت إشراف دقيق ومحاسبة. هنا نقتل وقت الفراغ الذي هو أحد الأمور لجذب الشباب للانحراف الذي يعد الإرهاب أحد أشكاله، وكما يقول المثل البريطاني فاليد الفارغة يد الشيطان وإذا لم تشغل هؤلاء الشباب في مناشط نافعة، فسوف يشغلونك هم بمناشط الله أعلم بها. أيضاً أتمنى من أنديتنا الرياضية أن تساهم بشكل فعال وإيجابي في احتواء الشباب وأن تقيم لهم دورات رياضية مختلفة، وأن تمتص حماسهم وتقضي على وقت الفراغ لديهم بنشاطات رياضية مختلفة. للأسف الشديد أنديتنا الرياضية مثلها مثل المدارس تعمل بأقل من طاقتها مع أن لديها بنية تحتية ممتازة، وهي بهذه البنية تستطيع أن تلعب أدواراً مهمة في احتواء الشباب والقضاء على وقت الفراغ لديهم بنشاطات أمنية وفكرية وثقافية ورياضية مختلفة. كذلك أن تستغل المباريات لرفع شعار الوطن داخل النادي وداخل الملعب وأن يستغل اللاعبون الجماهيريون لأجل الوطن وأمن الوطن ونشر ثقافة حب الوطن، وذلك لأنهم قدوة للكثير من الشباب فيجب الاستفادة منهم للوطن وأمنه. ويجب أن ننشر أنه مهما اختلت ميولنا الرياضية فيجب ألا تكون مطلقا سببا لاختلاف ميولنا الوطنية فديننا ووطننا فوق كل اعتبار.
ولا شك مطلقاً بأن أحد الحواضن الشعبية الإرهابية هو عدد من المواقع المشبوهة في الإنترنت التي تضخم الأخطاء وتتصيد الشباب وتعلمهم كيفية حمل السلاح والتفجير وتعلمه استراتيجيات المواجهة والقتال والتفجير. بكل تأكيد فوسائل التواصل الاجتماعية الحديثة فتحت علينا باب شر كبير في غالبها وللأسف قامت عدد من المنظمات الإرهابية مثل داعش باستغلال ذلك وبدأت تجند عن طريق الواتس أب والتويتر والفيس بوك وغيرها من الوسائل لذلك يجب فعلاً الحذر فبعضها يحمل السم القاتل. للأسف اليوم بعض الشباب المراهق قد يكون داخل غرفة نومه أو في فراشه وهو يراسل ويستقبل من جهات مشبوهة ومعادية بواسطة هاتفه الذكي، وهنا دور الحصانة الذاتية التي تتأتى من الوالدين والمراقبة غير المباشرة لهذا المراهق ودور المعلم والمرشد والأخصائي بالمدرسة وإمام المسجد الوقائي والذي فعلا نفتقده كثيراً في مجتمعنا.
كذلك آمل من الجهات المختصة توظيف عدد من الشباب من هواة الإنترنت لملاحقة المواقع المشبوهة وتدميرها أو على الأقل الإبلاغ عنها والدفع لهم بسخاء نظير أوقاتهم وجهودهم.. كذلك آمل إيجاد مواقع كثيرة تدافع عن الوطن ورموز الوطن وأمن الوطن حتى يتعزز الفكر الوطني وحتى تصبح المواقع الفاسدة أقلية.. كذلك كنت أتمنى أن تعلن عقوبات من يتعامل مع المواقع الخطيرة والفاسدة أو ينشر أو يعيد تغريدات مسيئة بأن من يثبت تورطه فسوف يعاقب بعقوبات صارمة بحيث نقوي وازع العقوبة التي لها دور فاعل في منع الجريمة كما يعرفه المهتمون بالجريمة.
كذلك إحدى الحواضن الشعبية للإرهاب ضعف فكرة المواطنة والعمل للوطن وحب الوطن والتطوع للوطن بأي شكل وصورة، وهنا نحتاج لتربية حقيقية منذ الطفولة ليتربى الإنسان على أن حب الوطن ليس كلاماً إنما يجب أن يقترن بالفعل وهذا يتمثل في أمور كثيرة فالحفاظ على أمن الوطن من حب الوطن وطاعة ولاة الأمر من حب الوطن والتبليغ عن مشبوه من حب الوطن كما هي التقيد بإشارات المرور وعدم رمي المخلفات. وأن كل مواطن سعودي ممثل لهذا الوطن هو من حب الوطن. للأسف لا يعرف الكثير من شبابنا قيمة الوطن لأنه ولد وتربى في أمن وأمان ورغد عيش ولم يجرب الحروب والنكبات والكوارث، وهنا تأتي التربية الوطنية ويجب أن تفعّل في مناح كثيرة في حياتنا. ويجب دخول التربية الدينية في بيان أهمية حب الوطن وأن للوطن حقاً على أبنائه وأن محبته كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما هاجر من مكة «لأنت أحب البقاع على نفسي» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ويجب بيان أنه ليس هناك تضارب وتصادم بين حب الوطن والدين وإنما يكمل بعضهما بعضاً، وأن هذا الوطن هو أصل الإسلام وقوته ونبعه وإليه يعود عند قيام الساعة وأن قوة هذا الوطن قوة للإسلام والعكس صحيح.
ومن الحواضن الشعبية الإرهابية كذلك التجمعات المشبوهة والاستراحات والمزارع البعيدة عن العمران، وهذا يتطلب جهوداً أمنية كبيرة، وهنا يجب أن يتحمل المحافظ ورئيس المركز وعمدة الحي مسئوليتهم كاملة ويجب أن يكون لديهم ملفات بجميع السكان والمزارع والاستراحات وغيرها، ويجب أن نعترف أن قوات الأمن ليست قادرة لحل إشكاليات المجتمع لوحدها, ولكن يجب أن يكون هناك ترابط وتعاون من الجهات الأخرى وأهمها العمد لمعرفة السكان والمترددين، وكذلك المكاتب العقارية لمعرفة من يستأجر المنازل والاستراحات والمزارع، كذلك المدارس وأهم منها المساجد لأن انتشارها أكبر من المدارس فيجب على إمام المسجد معرفة جماعته والوجوه الغريبة في الحي والتحركات المريبة والمشبوهة، لا نريد للإمام أو المؤذن أن يكون عسكرياً ولكن نريده مواطناً صالحاً يدافع عن وطنه الأم، كما يدافع عن منزله الصغير والوطن أهم من المنزل بكثير.
كذلك من الحواضن الشعبية الإرهابية هي فكرة الاغتراب والغربة الثقافية والاجتماعية، فبعض شبابنا يعيشون غربة وهم داخل الوطن، ويعرف العديد من المهتمين بالجريمة أن فكرة الغربة الاجتماعية لها علاقة بالجريمة والإرهاب. والاغتراب بشكل مبسط هو هروب الشاب من مجتمعه الكبير لمجتمعات صغيرة وفي أحيان كثيرة مشبوهة، هنا تتحول الثقافة العامة للمجتمع لثقافة أخرى جديدة، ثقافة منحرفة دخيلة. وهناك عدد من الثقافات للغربة الاجتماعية منها على سبيل المثال ثقافة تعاطي المخدرات والخمور وثقافة الإرهاب وثقافة الفكر الضال. وهنا يأتي دور مؤسسات المجتمع ككل للقضاء على هذه الظاهرة وأولها بالطبع الأسرة تليها المدرسة ثم المسجد ثم المنظومة الأمنية ثم الجيران والحي وغيرها.. يجب علينا جميعاً التصدي لهذه البؤر الفاسدة داخل وخارج أحيائنا ومدننا لأنها وللأسف تعج بفكر وثقافة منحرفة يتجه نتاجها للمجتمع الكبير بعواقب تدميرية وخيمة. وأحياناً يعيش الشاب وسط أسرته ولديه غربة اجتماعية وثقافية، فهو بعيد كل البعد عن الجو العام للأسرة.
ومن الحواضن الشعبية الإرهابية الفقر، والفقر مع البطالة والفكر الضال تقود للإرهاب، ولكن معالجة الفقر تحتاج لاستراتيجيات كبيرة ومعقدة، وهنا لا بد من كلمة شكر وتقدير للقيادة التي بدأت جدياً في حل مشكلة الفقر بعدة مستويات لعل منها زيادة الضمان الاجتماعي والمساكن الشعبية وغيرها كثير. وهنا أطمح لمزيد من فرص العمل على عدة مستويات أولها تشغيل الفقراء ومن ليس لديهم تعليم أو أميين، وهنا أتمنى شفافية وقوة في الطرح.. كنا في الماضي القريب أي فقير يكسب دخله بسهولة بواسطة قيادة سيارات الأجرة والشاحنات والصهاريج وغيرها. ولكن وللأسف حالياً هناك الآلاف من الشاحنات وسيارات الأجرة يقودها أجانب وأبناء الوطن يتفرجون على كسرة الخبز تؤخذ من أياديهم. المواطن السعودي لا بد من أن يعيش في مستوى معيشة هذا البلد والمعيشة عندنا ليست رخيصة، وهذا المواطن يعول أسرة، فمن الصعب عليه مجاراة هذه العمالة، وأتمنى من قرار واضح وقوي يعيد الأمور إلى نصابها، حيث نرى السائق السعودي بدلاً من الغريب. وكذلك قوة وصرامة في سعودة كافة الأنشطة التجارية والتجزئة ومندوبي المبيعات وأن نرى في كل محل وبقالة ومحطة وقود ومطعم وصيدلية سعودي يدير العمل.
كذلك من الحواضن الشعبية الإرهابية أصدقاء السوء وهم من يزين للشاب أموراً خطيرة وقاتلة ولهم تأثير سحري في عقل الشاب. أصدقاء السوء يسهلون ويزينون للشاب الانحراف والجريمة والإرهاب، وهذا دور الأسرة الأساس للتأكد من أصدقاء ابنهم وهو بالتأكيد كذلك دور المدرسة والمعلم الصالح، وللأسف الشديد عامل الأصدقاء يعتبر من أهم وأكبر العوامل المؤدية للجريمة عموماً والإرهاب خصوصاً، والأصدقاء يدفعون الشاب لارتكاب أعمال لا يجرؤ على عملها وحيداً، والأصدقاء هم إحدى الحواضن الشعبية للإرهاب.
في الختام يجب الحذر من الحواضن الشعبية الإرهابية التي تساعد على إتلاف عقول شبابنا بانخراطهم في هذه المنظمات الإرهابية. وكما ذكر أهم هذه العوامل الأسرة سواءً اتصفت بالإهمال أو بالعنف، والمدرسة التي لا تؤدي رسالتها الصحيحة، والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والحي، والأصدقاء، والبطالة، وغيرها. وعلينا جميعاً كمجتمع وكأفراد الاتحاد والالتفاف حول الوطن وقيادته للنفاذ من هذه المرحلة الحرجة من تاريخ وطننا.
أسأل الله تعالى أن يحفظ وطني وطن المحبة والخير والعزة المملكة العربية السعودية تحت قيادتها الرشيدة وأن يرد كيد الكائدين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين في نحورهم ليبقى هذا الوطن عزيزاً شامخاً منارة للهدى والتقى والخير والأمن والأمان.
والحمد لله أولاً وآخراً.