أ.د. يوسف بن أحمد الرميح
لاشك أن الحوادث الإرهابية والهجمات الانتحارية التي حدثت مؤخراً في عدد من المساجد لدينا مثل مسجد الرضا بالأحساء وقبله مسجد قوات الطوارئ بعسير ومسجد المشهد بمدينة نجران وتفجير جامع الحسين في مدينة الدمام وغيرها، هي بلا شك حوادث أدمت القلوب وجرحت الأنفس وكدرت المشاعر في كيفية سرعة تحول عدد من أبنائنا لهذا الفكر الدموي المتوحش والشرس. من هنا لا بد لنا من معرفة أن الإرهاب ظاهرة عالمية عرفت منذُ قدم التاريخ وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجريمة أو لنقل إنها جريمة مركبة.. جريمة ترتكب بغض النظر عن الضحايا المفترضين، ترتكب لإحداث أكبر قدر من الدمار في الأنفس والممتلكات بغض النظر عن سقوط ضحايا أبرياء لم يكن لهم من ذنب سوى أنهم موجودون في الوقت الخطأ في المكان الخطأ وهذه مقادير رب العالمين.
الإرهاب جريمة مركبة ومضاعفة حيث إن الجريمة التقليدية الضحية فيها فرد أو أسرة أو مؤسسة تجارية أو غيرها.. أما في الإرهاب فالضحية فيها المجتمع كله، والضحية فيها الوطن، والضحية فيها الأمن والاستقرار.
المجرم التقليدي قد تدفعه ظروفه المالية القاسية للسرقة، وردود الأفعال العنيفة للقتل، وظروفه الاجتماعية والأسرية للخمور والمخدرات والانتحار، ولكن الإرهابي ما هو إلا صنيعة وآلة صغيرة يلعب بها أعداء الأمة والوطن ويسخرونها كالصلصال لأن يعمل وبكل سادية ودموية ووحشية ما يطلب هذا القائد الإرهابي الخبيث، والذي يدير الشبكة بواسطة الإنترنت أو رسائل الجوال.. ويرسل هؤلاء الصغار الفارغة عقولهم وأذهانهم وقلوبهم من حب وطنهم وتقدير أسرهم للموت وهم يبتسمون، فهذا القائد الخبيث قد وعدهم عند الانتحار الشهادة وأبلغهم أن سبعيناً من الحور العين في انتظارهم ولا يفصل بينه وبينهن سوى ضغطة زر تأكل الأبيض والأسود والأخضر واليابس.. وهؤلاء الصغار لم يفقهوا فقه الجهاد الحقيقي وفقه الشهادة الحقة، وإلا هل تكون الشهادة وأنت تقتل مسلمين مصلين أو تقتل ذميين مؤتمنين ! ألم يقل المصطفي - صلى الله عليه وسلَّم - ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)، (رواه البخاري). وفي قتل المسلم أنكر حيث إنه محرم عليه الجنة مخلداً في النار كما في نص الآية الكريمة: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء.
ولكن السؤال المهم هو كيف يستطيع هذا القائد الإرهابي الخبيث التأثير على عقول هؤلاء الفتية حتى يقتلوا آباءهم وأسرهم وبني جلدتهم!؟ وهذا سؤال كبير ومهم للغاية.
الإرهاب يتكون من عدة عوامل اجتماعية ونفسية وجنائية، أسرة المراهق مهملة له تماماً، يذهب ويسافر وينام أين ومتى شاء من دون رقيب. وبسبب إهمال هذه الأسرة وأنه ليس عندها وقت للتربية ولا تعرف أصلاً التربية الصحيحة، فدورها كان إحضار هذا الطفل للحياة ثم يتطور هذا الدور لإحضار الطعام وقليل من اللباس له، يكبر هذا الطفل وبسبب إهمال الأسرة يهرب من المدرسة لأنّها تمثل له سلطة ونظام لم يتعود عليهما في حياته الأسرية المهملة، يبدأ يختلط بالأصدقاء في مرحلة المراهقة وهؤلاء الأصدقاء يعطونه شخصية اعتبارية لم يجدها من أسرته والتي ما زالت تعاني التشتت.. بعض هؤلاء الأصدقاء لديهم تصور متطرف عن الدين ونظرة سوداوية للمجتمع الذي يرونه لا يطبق الشرع على المستوى المطلوب من منظورهم القاصر، يسافر هذا الفتى المراهق بدافع من هؤلاء الأصدقاء لبعض مناطق القتال حول العالم حيث الجهاد والجبهات والمعارك التي تقوى لديه الشخصية التي افتقدها عند أسرته.
والمشكلة التي سببتها لنا وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من التويتر للفيس بوك للواتس أب وغيرها أن هذا الشاب قد يكون في غرفة نومه ويتعلم كل هذه الأمور بالمراسلة حياً وعلى الهواء مباشرة، يعبأ تعبئة فكرية إرهابية داعشية تحيله من شاب لم يستطع حتى دهس قطة لوحش كاسر يقتل ويحرق ويدمر حتى أقرب الأقربين إليه بلا سفر ولا رحلات ولا تجنيد خارجي فكل ذلك تم في عقر داره.
وكذلك يتعلم الشاب من خلال جهازه الذكي وتواصله مع أرباب الإرهاب والفكر الضال حول العالم فنون القتال والأسلحة والمتفجرات، ويتعلم كذلك ثقافة الموت التي تطغى الآن عنده على ثقافة الحياة من كثرة من رأى من الموتى والقتلى ومن الدروس والمحاضرات المتطرفة التي تركز على حب الجهاد والشهادة ونبذ الحياة، وأن الفرق بين الحياة والموت ما هو إلا ثوان معدودة.. يكتب الله لهذا الفتى العودة لوطنه حيث الأمن والأمان والمجتمع المسالم الهادئ، المجتمع المتحضر حيث ثقافة الحياة والبناء والتنمية. يعود للأسف لأسرة ما زالت تعاني التشتت والإهمال ولكنه هو الآن عاد بعقل وقلب جديد غير الذي كان عليه قبل سفره، يصبح في غربة عن المجتمع وعن الناس حيث يلهث الناس مثلهم مثل باقي البشر للحصول على الماديات والكماليات والأمور الترفيهية، وعقله وقلبه هو معلق هناك في الجبهة فهو يعيش بجسده وليس بعقله وقلبه.. وبسبب هذا البعد العاطفي والنفساني والاجتماعي يبتعد عن المجتمع ويحاول الالتصاق بأصدقاء الجبهة هناك حيث المعارك والسلاح وقوة الرجال.. ويحن للعودة لهذه الجبهات، وهنا تتكون ما يسمى جنائياً (الخلية النائمة) حيث مجموعة من الشباب يتشاركون في أفكار تكفيرية متطرفة بعيدة كل البعد عن روح المجتمع ولديهم السلاح الذي يعدّونه جزءاً من شخصية المحارب. يدخل أحد قادة الفكر الإرهابي المتطرف على هذه المجموعة ويشرح لهم أنه أخوهم ومحبهم وأن المجتمع لا يريدهم وأن هذا المجتمع بهذه المواصفات مجتمع كافر لا بد من الانفصال عنه وهجره.. تتطور هذه الأفكار من هذا الإرهابي الخبيث لأن يدخل على هؤلاء الفتية أمر تغيير المجتمع بالقوة والعنف وحربه حيث إنه مجتمع كافر وحربه مثل حرب الكفار والمشركين بل هو أولى، وأهمية ضرب المصالح الحيوية في المجتمع.. كذلك يدخل هذا الخبيث مصطلح الشهادة أو لنقل الانتحار لهؤلاء الشباب المراهقين وأن هذا هو الطريق الوحيد لتغيير المنكر في المجتمع، وهذا القائد الخبيث يحاول اصطياد أسهل هذه الفرائس من الشباب المراهقين ويحاول جاهداً الضغط عليهم ويقوم بعملية غسيل مخ لهذا المراهق ليقوم بعملية فيها كما أقنعه (رفعة الإسلام).
وعند موافقته المبدئية أو لنقل أنه فقط متردد في القدوم على الانتحار أو (الشهادة كما يسميها هذا الإرهابي) يعمل له طقوس غريبة ورقصة هي أقرب لرقصات عباد الشيطان تسمى (زفة الشهيد) ونرى في الاسم اقتران الموت بالحياة، فالزفة هي بداية حياة للرجل أو المرأة وللشهيد هي نهاية حياة وبداية أخرى، وهنا في عقل هذا المراهق الحدث يلعب فيه هذا الإرهابي ويدخل في مصطلحات غريبة عليه ولكنه يفرض عليه أن هذا الطريق الوحيد لإثبات وجهة النظر (السادية والدموية المتوحشة)، ويقوم هذا الفتى المراهق بالتفجير بنفسه، وتفجع أسرته خاصة والديه بهذا التصرف الذي لم يفكروا فيه مطلقاً وأنه كان (مفاجأة) لهم أن ابنهم إرهابي. هنا تقع المسؤولية الفعلية على عدة أطراف مهمة للغاية لعل منها الأسرة التي أهملت تربية هذا الفتى حتى وقع الفأس بالرأس ولم تسأل عنه ولا عن أصدقائه وأين يقضي وقته ومع من.. دخول هذا الفتى لعالم الإرهاب لا يكون بين يوم وليلة ولكن يأخذ عدة أشهر وهنا نرى بوضوح تقصير الأسرة في الحماية والتربية.
هناك مسؤولية أكبر تقع على المجتمع ككل.. المجتمع حتى الآن يشاهد فيه تعاطف من بعض ضعاف النفوس والعقول لهذه الفئة الضالة، وهذه العاطفة والتعاطف ليس هذا مكانه، فمن باب أولى أن نتعاطف مع أسودنا وطننا ورجال أمننا البواسل الذين يصارعون هذه الفئة الضالة على مدار الساعة. ما زال المجتمع لا يسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية، فالحاصل الآن هو إرهاب وهو إفساد في الأرض بوضوح وليس خطأ أو اجتهادا في غير محله، فهذا تسهيل وتبسيط ساذج وغبي لعمل هؤلاء الإرهابيين. أرى كذلك تقصيراً واضحاً من بعض الجهات في وطننا في مكافحة هذه الآفة الخطرة، مثلاً لماذا تُختتم بعض الجهات نشاطها في مكافحة الإرهاب. أرى أنه يجب استمرار مثل هذه الحملات وهذا الضغط والزخم الإعلامي والأمني والجماهيري يجب أن يستمر بلا توقف حتى ننتهي من هذه الآفة الخطيرة.
المدرسة والجامعة كذلك لهما أدوار يجب أن تحتضنها وتؤديها ومنها مراقبة الطلاب وكشف ومعالجة أي انحراف باكراً، وأخطر من هذا الانحراف من قبل بعض الأساتذة حتى يسهل علاجه. مسؤولية الجيران والحي في مراقبة الغرباء والدخلاء في أحيائهم أو الزوار المشبوهين ووجوب الإبلاغ عنهم.
مسؤولية أعظم وأكبر على جماعة وإمام المسجد لمراقبة أي انحراف ولو كان صغيراً، كذلك يجب على إمام المسجد طرح كتيب سهل يشرح أهمية الوطن وقيمته والولاء والبراء الشرعي الحقيقي وحقوق ولاة الأمر والسمع والطاعة لهم كما أمرنا بذلك ديننا الحنيف، وأهمية اللحمة الوطنية ونبذ الفرقة وتحريم تكفير المسلمين وطرق ومناهج الفرق الضالة مثل الخوارج، وذلك بأسلوب سهل جداً يمكن فهمه من أي مصلٍ ولو كان أمياً بسيطاً، ويجب على أئمة المساجد خاصة خطباء الجمعة الدعاء على هذه الفئة الضالة كل جمعة، والدعاء للوطن بأن - يحفظه الله - ويحميه مثل ما يدعي (للآخرين !!!) في كل جمعة، والدعاء لرجال أمننا بأن يحفظهم الله ويرعاهم.
وتقع على أجهزة الإعلام مسؤولية عظيمة في بيان خطر هذه الفئة الضالة وأن هدفها تقويض المجتمع كله وتدميره، ويجب على وسائل الإعلام خاصة التلفزيون مخاطبة الشاب البسيط بأسلوب سهل جداً كي ننقل الرسالة الأمنية إليه وتصل واضحة لا لبس فيها.
كذلك إحدى مسؤوليات الجهاز الإعلامي ألا يكون طرحه وقتياً أو عبارة عن ردود أفعال. يجب أن يكون لإعلامنا سياسة إعلامية واضحة قوية صريحة ولا لبس فيها في مواجهة هذه الأحداث المؤلمة.. من السذاجة بمكان أن نرى بعض المحطات الفضائية الرخيصة والمأجورة همَّها الأول هو وطننا المملكة العربية السعودية ومهاجمته صباح مساء من كتاب مأجورين ونحن سياستنا الإعلامية وقتية وعبارة عن ردود أفعال. يجب ألا ننتظر الفعل لأن نفكر في الرد المناسب.. يجب أن يكون لنا سياسة إعلامية واضحة وقوية ومستمرة لمواجهة هذا الفكر الضال ومنابره الفاسدة في كل مكان.
مسؤولية عظيمة وكبيرة تقع على كواهل علمائنا الأفاضل في النزول للشارع ومخاطبة الشباب والحوار معهم والأخذ بأيديهم.. ألم يرَ علماؤنا الأفاضل كيف أن أرباب الإرهاب والفكر الضال يقضون الأوقات الطويلة حتى يجندوا شبابنا ليتحول ذلك الشاب الوديع لقاتل وإرهابي خبيث يخون وطنه ويقتل مواطنيه ويدمر ويحرق الأخضر واليابس.
يجب أن يحاور الشباب في بيان الأحكام الشرعية بأسلوب بسيط يفهمه الجميع ويجب أن تصدر المراجع والهيئات العلمية الشرعية عندنا فتاوى واضحة وبيانات صريحة في دحض شبهات هذا الفكر الخبيث ومعتنقيه وحكم التعاطف والتعاون أو التستر على أفراد هذه الفئة الباغية الإرهابية الخبيثة.
مسؤولية عظيمة كذلك تقع على الجهات الأمنية في وطننا المبارك منها حجب المواقع الفاسدة في الإنترنت ومحاسبة من يثبت تورطه في علاقة مشبوهة مع هذه المواقع.. آخر ما نريد في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ وطننا ألا نُخترق من قبل بعض مواطنينا الذين غرر بهم، كذلك يجب محاربة المحطات الفضائية التي همها الوطن ومحاضنها فالدولة التي تحتضن محطة فاسدة همها وطننا بالتأكيد هي لا تكن الكثير من الحب والاحترام لنا، لأنك لا يمكن أن تكون صديقي وعدوي في وقت واحد، ومن المعروف أن عدو عدوي هو صديقي كما تسمى في عالم المصالح السياسية.
أخيراً أمر في غاية الخطورة والأهمية من واقع عملي وبحوثي واهتماماتي في علم الجريمة والإرهاب آمل أن يتحقق لنا في هذا الوطن، وهو أن تقوم الجهات المختصة خاصة وزارة الداخلية وإمارات المناطق بعمل استراتيجية طويلة الأمد على الأقل للسنوات الخمس القادمة، هذه الاستراتيجية تشمل مناحي الحياة الأمنية والتعليمية والأسرية والاقتصادية والدينية والعملية وغيرها، استراتيجية واضحة صريحة وفيها الكثير من الشفافية، ويجب الابتعاد عن ردود الأفعال السريعة، مثلاً أن تقوم برامج للتضامن ضد الإرهاب لمدة أسبوعين، أتمنى أن تطول مثل هذه البرامج ولكن يجب أن تكون مدروسة وفيها كما ذكر الشفافية وتدوم لمدة طويلة لتعطي جرعات أمنية وقائية مهمة جداً كخطوة مهمة لإنهاء مثل هذا الخبث والفكر الإرهابي النتن، ونعود لمجتمعنا الصافي ونعود للتنمية الحقة التي آن الأوان لكي نرجع إليها.
ولكن هناك أمور يجب أن تدرس وتعرف بالضبط وهي هل قضينا على الفكر التكفيري المتطرف كما قضينا على من يحمله؟ أتمنى ذلك، وهناك فرق بين القضاء على الأفراد والقضاء على الفكر. وهنا نحتاج للاستراتيجية الأمنية الواضحة الطويلة الأمد حتى لا نقضي على الأفراد ونكشف لاحقاً أننا حولناهم إلى خلايا نائمة تنبعث من جديد مثل الخلايا السرطانية التي لم يقض عليها تماماً ولكن تستكين وعند وجود ظرف مناسب تهاجم الجسم بضراوة. إذاً بعد انتهاء هذه الفترة الحرجة يجب أن نلتفت لمحاربة هذا الفكر الإرهابي التكفيري من جذوره لنستأصله نهائياً وإلى الأبد إن شاء الله.
أيها الكرام داعش اليوم تعمل جاهدة على الإنترنت بكل طرقها وحيلها وخبثها ونكدها وتنشر في اليوم الواحد عشرات الآلاف من وسائل التواصل الاجتماعي من التويتر للفيس بوك للواتس أب لليوتيوب ثم تنتظر من يعلق بالشبكة ويأكل الطعم النجس والخبيث فتفتح حوارا معه. وإذا كان التقاء الإرهابيين في مكان معين لتعلم طرق الإرهاب وتبادل الآراء والأفكار والمعلومات أصبح صعباً في الواقع ، حيث يحتاج أماكن واسعة وبعيدة عن عين الرقيب، والحرية في الحركة وغيرها، فإنَّ الإنترنت سهلت هذه العملية كثيراً، إِذْ يمكن أن يلتقي عدة أشخاص في أماكن متعددة حول العالم في وقت واحد ويتبادلون الحديث، بل يمكن لهم أن يجمعوا لهم أتباعاً وأنصاراً عبر إشاعة أفكارهم ومبادئهم من خلال مواقع الإنترنت ومنتديات الحوار أو ما يسمى غرف الدردشة. وإذا كان الحصول على وسائل إعلامية تقليدية كالتلفزيون والإذاعة صعباً، فإنَّ إنشاء مواقع الإنترنت واستغلال منتديات الحوار وغيرها لخدمة أهداف الإرهابيين أصبح سهلاً وممكناً، بل إنك تجد لبعض المنظمات الإرهابية آلاف المواقع حتى يضمنوا انتشاراً أوسع وحتى لو تم منع الدخول على بعض هذه المواقع أو تعرضت للتدمير تبقى المواقع الأخرى سهلة الوصول.
المواقع الإرهابية والمتطرفة للأسف تتطور بسرعة هائلة من حيث التصميم والإمكانات التقنية. ولقد تنبه الإرهابيون مبكراً جداً إلى الإمكانات التي تتيحها الإنترنت مما جعلهم يطورون تقنياتهم فيها. وللأسف فما زالوا يحافظون على سعيهم الدائم للتطور والتواجد الدائم والتنظيم الإلكتروني. ويوجد على الشبكة الإلكترونية بعض المواد التي تعد بمثابة دروس مجانية للإرهابيين، خصوصاً المبتدئين منهم، ابتداء من طرق كيفية صناعة الزجاجة الحارقة، مروراً بكيفية صنع الطرود المفخخة وصولاً إلى كيفية صناعة بعض القنابل والأحزمة الناسفة، ولقد أصبح كل ما يحتاجه الإرهابي في هذا المجال الحيوي والمعقد هو جهاز حاسب آلي واتصال بشبكة الإنترنت مما يتيح لهذا الإرهابي القيام بأعمال تخريبية وهو آمن في مقره بواسطة نقرات بسيطة على لوحة المفاتيح ودون أن يترك لنفسه أثراً. هذه النقرات على لوحة المفاتيح قد تنطوي على أوامر موجهة لبعض الخلايا للقيام بأعمال إرهابية معينة. ويجب أن نعترف بأن الإنترنت لها مجال مفتوح وواسع وبلا حدود ويتوسع في كل يوم، ويمكنك من موقعك من أي بلد الوصول لأي مكان دون أوراق أو تفتيش أو قيود، وكل ما تحتاجه هو بعض المعلومات لتستطيع اقتحام الحوائط الإلكترونية. كما أن تكاليف القيام بمثل هذه الهجمات الإلكترونية لا يتجاوز أكثر من حاسب آلي واتصال بشبكة الإنترنت. لقد أصبح الإرهاب الحديث أكثر ضراوة لاعتماده على التكنولوجيا المتطورة للإنترنت التي ساعدت المنظمات الإرهابية في التحكم الكامل في اتصالاتهم ببعضهم بعضا، مما زاد من اتساع مسرح عملياتهم الإرهابية، وبالتالي أصبح من الصعوبة اصطياد هذا الوحش الإلكتروني الجديد وتدميره وقتله وهذا كله يتطلب منا جميعاً مواطنين ومؤسسات ومدارس ومساجد وجهات أمنية وغيرها أخذ تمام الحيطة والحذر والتنبه.
وفي الأخير لا بُدَّ من كلمة شكر وتقدير وعرفان للحملة المباركة والخيرة التي أطلقتها إمارة منطقة القصيم برعاية أميرها الفارس الشهم الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز بعنوان «معاً.. ضد الإرهاب والفكر الضال»، فهذه الحملة نحتاج لأن نراها بمكبر أكبر وأشمل لتشمل جميع ربوع وطننا الحبيب ولتكون ممتدة لسنوات بلا توقف ولا انقطاع ولا تردد حتى ينتهي الخبث - بإذن الله - ونرتاح جميعاً للقضاء على الإرهاب وأهله.
حفظ الله وطني وطن المحبة والخير، وأبعد عنه شر الأشرار وحقد الحاقدين، ورفعه تحت راية التوحيد الخالدة وبقيادة والدنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد وحكومتهم الرشيدة والحمد لله أولاً وآخراً.