أ.د. يوسف بن أحمد الرميح
الحوادث الأخيرة في بلادنا حرسها الله وأدام عليها وعلينا نعمة الأمن والاستقرار خاصة حادثة القديح الدموية والتي نسأل الله أن يتقبل ويغفر للشهداء وأن يشفي الجرحى وأن يصبر ذويهم,,,, تطرح لي كمتخصص في مكافحة الإرهاب سؤالا كبيرا من هو الإرهابي الحقيقي, فهل «الإرهابي الحقيقي» هو ذلك الشاب المراهق الذي يتولى تنفيذ عمليات غادرة وجبانة تتسم بالخبث والنجاسة والحقد كمهاجمة جامع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالقديح مما نتج عنه من استشهاد وجرح العشرات من إخوتنا وأبناء وطننا ونشر الرعب والذعر هناك, أو ما سبقها كإطلاق النار على المصلين بعد الصلاة في الدالوة القريبة من القديح في محاولة يائسة للتفريق بين المواطنين وزرع الفتنة والحقد والكره والطائفية بين مواطني هذه البلاد المباركة. أو كمهاجمة مركز السويف الحدودي بين السعودية والعراق قرب مدينة عرعر، وقبله حادثة شرورة والتي قتل فيهما عدد من رجال أمننا وأسود وطننا نحسبهم شهداء عند الله وغيرها من الحوادث الإرهابية الغادرة.
هذه الأسئلة هي لمحاولة إيجاد توصيف حقيقي لمعنى كلمة «الإرهابي». وإجابة عن هذه الأسئلة «والتي قد تغضب البعض»، وهي أن الإرهابي الحقيقي ليس من يقوم بهذه العمليات القذرة بل هو حلقة صغيرة في سلسلة الإرهاب النجس، يجب أولا أن نوجه أصابع الاتهام بالإرهاب إلى «المفكر الإرهابي». وهو شخص في الغالب لا يحمل السلاح، وعمره من الثلاثينيات للخمسينيات، وقد يكون موظفًا بعمل مرموق، ولكنه في الداخل شيطان نجس وثعبان قاتل، لأنه هو من يبرر الإرهاب ويدافع عنه ويبحث عن كل المبررات الواهية والوهمية من بين الخرافات والخزعبلات له.
كذلك يشترك في الجرم الإرهابي المجند الإرهابي الذي يقضي وقته بالبحث عن ضحايا من الشباب البائس المراهق في أسواق الخضار والتشاليح والورش والمدارس وينقض عليهم باسم الناصح الأمين والمحب العطوف, ثم يقنعهم بأن العمل الإرهابي ما هو إلا عمل شرعي سائغ يتطلب التضحية بالنفس.
ويشترك معهم كذلك الممول الإرهابي وهو ذلك الموسر النجس الذي سلط ماله الحرام والخبيث لدمار وطنه وقتل مواطنيه ولنشر الفوضى والدمار والرقص على جراح الوطن وتيتيم الأبناء وترميل الزوجات, وكذلك الفضيحة لأسرة ذلك الشاب البائس, الذي حوله هذا المجرم الخبيث وأعوانه من ساعد كان وطنه وقيادته وأسرته تبني عليه آمالا عريضة وكبيرة وتتوقع منه بأن يحقق الأحلام وأن يكون خير خلف لخير سلف... للأسف حوله أرباب الإرهاب لمجرم فاجر مفسد همه الدماء والأشلاء والقتل والدمار.
وكذلك يشترك مع أولئك الخونة والعصابة المارقة المخطط الإرهابي وهو من يقوم باختيار أفضل الأماكن التي من الممكن أن تعمل أكبر أثر تدميري إجرامي ولتقتل أكبر عدد ممكن من الناس, كذلك يقوم بالأمور اللوجستية كاختيار السيارة المناسبة والوقت المناسب واللباس المناسب واستئجار مكان للمنفذ للعملية الإرهابية وجلب الأسلحة والمتفجرات وغيرها.
وللأسف قد يقوم شخص واحد بكل هذه الأدوار أو معظمها وقد يقوم عدة أشخاص بدور واحد.. ويرجع ذلك لحجم العملية الإرهابية وقوتها ومكانها والمقاومة التي من الممكن أن تواجه المنفذ لها.
وبلا أدني شك يشترك مع كل هؤلاء عدد من الاشخاص الذين لم يشتركوا في العملية بشكل مباشر وتنفيذي ولكنهم يتحملون وزرها كمن عملها تماما فمنهم المحرض الإرهابي والمتعاطف الإرهابي. فمن يسكت أو يتجاهل أو يراوغ في إدانة جريمة القديح والدالوة وقبلهما حادثتا عرعر وشرورة الإرهابية وغيرها من الحوادث الإرهابية، أو يتعرض لهذا الإرهاب بلغة لينة متسامحة، أو يصف من شاركوا فيها بالمجاهدين، أو المجتهدين الذين ضلوا الطريق وهم في الحقيقة خوارج خونة مجرمون قتلة تكفيريون بكل ما تعنيه الكلمة؛ فكل من هؤلاء، شريك في الإرهاب، ومحرض عليه، ومسوغ له، فالمواطن لا يمكن أن يكون مع الوطن، وفي الوقت نفسه يصمت وهو يرى أبناءه وإخوته وأبناء وطنه ورجال أمنه يقتلون وأمنه ينتهك واستقراره يُزلزل ورجال أمنه يستهدفون. ونفس الجرم ينطبق لمن يبحث عن تبريرات للإرهاب بوسائل التواصل الاجتماعي والتويتر والفيس بوك ويستقبل ويرسل الصور عبر اليوتيوب فرحا مبتهجا بحادث إرهابي فهذا الشخص بلا شك إرهابي خبيث بكل ما تعنيه الكلمة حتى ولو لم يحمل السلاح ولا المتفجرات.
«وعندما سئل أحد قادة الإرهاب وقد كان يجند ويرسل الشباب من أبناء وطنه وأمته للمحرقة وللموت والعار، سأله أحد الشباب المرشحين للموت والنحر: لماذا يا شيخ لا تذهب للعملية معنا؟ سؤال بريء من شاب سوف ينحر قريبًا على مذابح الإرهاب ليكون قربانًا لقادة الفكر الضال، فقال الإرهابي بصوت الواثق: (إذا أنا مت.... من يجهز الشباب للمهام)». هذا الرجل بإرساله الشباب للموت، وإقناعهم بالفكر الضال وبمبادئ القاعدة وداعش والنصرة وغيرها، يجب فعلا ألا يُقتل بسهولة، ولكن أن يُقتص منه بحيث يدفع ثمن هؤلاء الشباب الذين أفسد عقولهم جميعًا بلا رحمة ولا هوادة ولقاء خيانته العظمى لوطنه وأمته».
وهذا يثبت لنا أن الفكر الضال هو منبع الإرهاب، ومن قيحه ينهل الإرهابيون، وسيظلون ينهلون، ويجندون الأتباع، ويمولون إرهابهم، وسنبقى نعاني معهم، لا فرق في ذلك بين داعش والقاعدة والنصرة وغيرها إلا في بوسائل الوصول إلى الهدف، والهدف واحد وهو وطننا وأمننا.
إذا الجواب على السؤال في البداية أن كل هؤلاء إرهابيون بكل ما تعنية الكلمة ويتحملون وزر وإثم من قام بالعملية وتنفيذها. المصيبة للأسف تكمن أن مجتمعنا مجتمع عاطفي حتى وإن كانت هذه العاطفة دموية وقاتلة, فالبعض يرى أن الإرهابي الحقيقي هو الذي يقوم بالعملية, وهو الإرهابي الحقيقي والذي يجب أن يقتص منه. ولي أنا كمتخصص المفكر إرهابي والمجند إرهابي والمخطط إرهابي والممول إرهابي والمتعاطف إرهابي والمحرض إرهابي مثلهم مثل المنفذ الإرهابي بل للحقيقة أقول يزيد إثمهم وإجرامهم وفسادهم عن ذلك الشاب البائس الذي باع دنياه وأخراه لأرباب الإرهاب والفكر الضال حيث إنهم بعد انتهاء العملية الإرهابية يبدأ بحثهم عن منفذ جديد وضحية جديدة وموقع جديد يمكن أن يستهدف. والأمر لله أولاً وآخراً.