جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعد أن استطاع ملالي إيران تغيير الكثير من الأسس التي أرساها العراقيون كعرب عُرفوا بتمسكهم بعروبتهم دون أن تؤثر عليهم انتماءاتهم المذهبية، إلا أن تمكُّن التابعين لنظام إيران من قادة الأحزاب والمليشيات الطائفية التي أُنشئت وأُقيمت في إيران في بدايات الحقبة الخمينية إدخال عنصر مؤثر على توجهات بعض العراقيين، وبالذات من العراقيين الذين يعتنقون أفكار مؤيدي ولاية الفقيه، وهي التي يعدها الكثير من المذهب نفسه بدعة أعاد تنشيطها الخميني بعد تمكينه من سلطة حكم الشعوب الإيرانية، إذ إن مذهب ولاية الفقيه ابتداع فرضه الصفويون الذين أدخلوا الكثير من الانحرافات على المذهب الاثني عشري، وهذه الانحرافات عالجها العديد من المراجع الشيعية سواء في حوزات النجف ولبنان والكاظمية وحتى قم قبل سيطرة أعوان الخميني.
وبما أن هؤلاء الأعوان هم من أنشأ الأحزاب والمليشيات التي أعدت داخل الأراضي الإيرانية من الأشخاص الذين أبعدهم نظام صدام حسين من العراق إلى إيران كون أصولهم فارسية، ومن هؤلاء مليشيا بدر وحزب الثورة الإسلامية برئاسة باقر الحكيم الذي قتل بعد قدومه للعراق بعد الاحتلال الأمريكي لتؤول رئاسة الحزب لأخيه عبدالعزيز الحكيم والذي أورث الرئاسة إلى نجله عمار الحكيم، وعائلة الحكيم يعرف العراقيون جميعاً أصولها الفارسية، وأنها تنسب إلى مدينة فارسية وتسمى باسم عائلة الطبطائي، وأن تسميتها بالحكيم لصفة جدهم الذي كان يمتهن التطبيب الشعبي.
أما الحزب الطائفي الآخر، وهو حزب الدعوة، فمعروف أنه كان أداة الإيرانيين لمواجهة النظام العراقي السابق، وقد تسلل للحزب العديد من العراقيين من الأصول الفارسية ووصلوا إلى القيادة مثل الأمين، وحسين الشهرستاني إضافة إلى نوري المالكي الذي لا يُعرف أصله لأنه دخيل على بني مالك الذي كان والده يعمل «جرافاً» عند شيخ القبيلة، ومن خلال مجموعة هؤلاء السياسيين الذين دربوا وأعدوا في إيران فرض ملالي إيران هيمنتهم وسيطرتهم على مفاصل الحكم والحياة في العراق خاصة في ظل ضعف وتحالف سياسيين من المكونات المذهبية والعرقية الذين فضلوا المكاسب الشخصية والمادية على المبادئ حتى أصبحت إيران توجه ما يجب أن يحصل في العراق من اختيار رئيس الوزراء الذي رتب دستور برايمر بأن يكون متوافقاً مع رغبات ملالي طهران، إلى باقي المفاصل الأخرى حتى وصل الأمر بفرض اختيار الملاعب الإيرانية لإجراء مباريات المنتخبات العراقية.
هذا الانحطاط الذي لم يبلغه العراق حرك الغيرة العربية وأعاد الوعي لكثير من العراقيين رجال دين وسياسيين ومنهم رجل الدين العراقي مقتدى الصدر الذي انتفض على استباحة ملالي إيران للسيادة العراقية، وإلغاء القرار السيادي لبلده العربي.
انتفاضة مقتدى الصدر أعادت الوعي لكثير من العراقيين وبالذات من الشيعة العرب الذين لبّوا دعواته للتظاهر أولاً في قلب بغداد بساحة التحرير وميادين التظاهر في المحافظات الجنوبية ثم الاعتصام عند أسوار المنطقة الخضراء، هذه الانتفاضة وعودة الوعي للشيعة العرب العراقيين أثار الرعب لدى ملالي إيران الذين بدؤوا تحركاً لإفشال انتفاضة الصدر وخنق الوعي العراقي بالعودة إلى الصف العربي، وتسلحوا بالتمترس خلف إجراء طائفي يكرس تقسيم العراقيين، إذ حرك ملالي إيران عملاءهم في لبنان وعلى رأسهم الملا اللبناني حسن نصر الله الذي حاول ترتيب لقاء يجمع مقتدى الصدر الذي يزور بيروت زيارة عائلية لابن عمه جعفر الصدر، بنوري المالكي عميل إيران في العراق وممثل سيستاني في لبنان إضافة إلى الملا حسن نصر الله، وبعد اتصال نصر الله بالمرافقين لمقتدى الصدر عارضاً عليه فكرة الاجتماع الرباعي بحجة الحفاظ على وحدة البيت الشيعي، إلا أن الصدر رد بحزم بأنه لا يقر على تقسيم الشعب العراقي إلى بيوت طائفية، مؤكداً أنه إذ جارى دعوة نصر الله فسيكون هناك بيت سني، وبيت كردي، وبيت تركماني، وهذا ما سيزيد فرقة العراقيين التي سيواجهها مقتدى الصدر وأتباعه.