جاسر عبدالعزيز الجاسر
الريادة والقيادة لا تأتي من فراغ، فلابد أن يكون هناك بذل وتحرك وفهم وتقديم مبادرات تشرك الجميع في المنظور المستقبلي للأمة دون إهمال أو إغفال أيّ طرف مهما قلت مساحة القطر أو عدد سكانه، فالتطور التكنلوجي واتساع عناصر القوة للدول باستحداث مقومات إضافية كالقوة الاقتصادية وزيادة النفوذ الدولي واتساع دائرة التحالفات وحنكة وحكمة القيادة أضافت نقاط قوة تعزز مكانة الدول.
ولهذا فالحساسية التي تبديها بعض النخب السياسية وحتى الفكرية من تزايد قوة وتأثير دول الخليج العربية، وبالذات المملكة والتي مكنتها من الإسهام بفعالية في إعادة ترتيب البيت العربي، تعد من الناحية الواقعية السياسية وما يحصل في مناطق عديدة من العالم حساسية مفرطة لا يجب أن ينشغل بها ممن يصنفون كنخب سياسية وفكرية وإعلامية لأن المصلحة العربية العليا وحتى مصلحة الدول التي ينتمي إليها تلك النخب تتطلب دعم أي جهود تسعى لتحقيق إضافة حقيقة للمصالح العربية وتحصين البلدان العربية كافة من أي اختراقات مضرة سواء من قوى دولية طامعة، أو قوى إقليمية لا تخفي سعيها للنيل من العرب.
وبما أن التحرك السعودي المدعم بمؤازرة خليجية وعربية غالبة قد حقق إنجازات لا يمكن إغفالها على صعيد إعادة التوازن للمنطقة وللعالم العربي الذي فقدناه منذ بداية القرن الواحد والعشرين وتمثل في احتلال العراق، وسقوطه هو وسوريا ولبنان في دائرة النفوذ الإيراني؛ فإن الواجب والمفروض أن يدعم هذا التحرك الذي فعَّله الملك سلمان بن عبدالعزيز والذي يجسد الآن واقعية سياسية تمثلت في تحقيق شراكة إستراتيجية مع جمهورية مصر العربية التي تظل واحدة من أهم مرتكزات القوة العربية والتي أتبعها مباشرة بالتوجه إلى تركيا لتفعيل ولنقل التعاون العربي الإسلامي إلى مرحلة التعاضد بدل التطاحن والفصل، بدل الشعارات التي لا تزال تسيطر على ممارسات زمر من الإعلاميين الذين وإن تعددت تصنيفاتهم بين من يمارس الارتزاق والتكسب بخدمة القوى الإقليمية الطائفية ومن لا يزال محصوراً في انتماءاته السياسية العتيقة رغم فشل مرحلتها السياسية، وقد أظهرت تفاعلات زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر وخاصة فيما يخص ملكية جزيرتي صنافير وتيران، تحالفاً غريباً بين أيتام النكسة حملة لواء الناصرية وبين فلول ورثة العشيرة، ممن يتبنون فكر الإخوان المسلمين الذين خاضوا أكثر من خمسين عاماً من العداء مع الناصريين، ليختفي هذا العداء، ويبدؤوا في بث خطب عبدالناصر وإشارتهم بما جاء فيها والتي تعزز خطابهم الذي يشكك في حفاظ الرئيس السيسي على سلامة الأراضي المصرية.
كل هذه التهويمات والانفلات الإعلامي الذي بدأ يترك تأثيرات سلبية على علاقات مصر بأشقائها رغم تأكد وثقة الأشقاء بحسن نوايا وعمل الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يعمل بكل ما يستطيع لصنع واقع جديد ينقل مصر إلى المستوى اللائق بها.
ولهذا فإن القيادة السعودية وحتى المواطنين السعوديين وجميع المصريين لم يلتفتوا إلى تلك المحاولات وتجاوزها وبالذات القيادة السعودية التي تواصل تأديتها لدورها القيادي وتفعيل مبادراتها لتحقيق حالة التعاضد الحقيقي بين العرب وباقي المسلمين الذين لا يطمعون في الأرض العربية والجور على الهيبة العربية.. ومثَّل انتقال الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى أنقرة من القاهرة مباشرة تحركاً عملياً لتفعيل التعاضد العربي الإسلامي من خلال إضافات جديدة من آليات جديدة لشراكة إستراتيجية أخرى بين بلدين من أهم البلدان الإسلامية المملكة العربية السعودية وتركيا.. وسوف ترفد الاتفاقيات التي أبرمت بين أنقرة والرياض هذه الشراكة الإستراتيجية التي ستتكامل من خلال ربط المصالح بين العرب والدول الإقليمية وتؤسس لنظام إقليمي جديد شعاره الواقعية؛ سيكون أبرز أركانه السعودية ومصر وتركيا، وهو الهدف الذي ستعمله الرياض، وما يسعى إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي حقق العديد من الإضافات والإنجازات في هذا السياق؛ ما كان أحد يتوقعها قبل ذلك.