جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعد أن أكمل وضع لبنة لمعالجة الهموم العربية وتوحيد الصف العربي بإطلاق خارطة طريق لمستقبل واعد تسير عليه الدول العربية لتعزيز علاقاتها ونقلها إلى شراكة استراتيجية حقيقية وتجاوز مرحلة التقوقع والانغلاق القطري التي جعلت الدول العربية تتخلى عن وحدة المصير فتشتتت مواقفها وتباينت حتى آراؤها لاختلاف الكلمة، وتمشياً مع ما اتخذه ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من مبادرات لترميم البيت العربي وإعادة الاعتبار للأمة العربية من خلال توحيد الكلمة والصف العربي، وإن بدأت تلك المبادرات بتنقية شوائب العمل الخليجي العربي المشترك ثم رفده بالتنسيق مع الأردن والمغرب، جاءت الإضافة الكبرى بنقل العلاقات السعودية المصرية مع مصر إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الكاملة التي ستمتد لتتكامل مع ديناميكية الفعل الخليجي العربي الذي امتدت دائرته الجوسياسية التي اتسعت من الخليج العربي، فاليمن والسودان وجيبوتي والمغرب وموريتانيا وتونس وتكتمل بجمهورية مصر العربية ليكون الفضاء الاستراتيجي العربي مكتملاً ومحصناً بانتظار أن يحسم المتحفظون خيارهم الذي لابد منه وهو ربط مصيرهم بمصير الأمة العربية التي انتفضت على ما أريد فرضه على البلدان العربية من تبعية وأدوار ثانوية بعد إثارة العديد من المشاكل والزوابع كالفوضى العربية التي أسموها بـ»الربيع العربي» وماهي إلا ترجمة لما طرح في تعميم للفوضى الخلاقة وماهي بخلاقة إلا في خلق الفوضى والقتال وسفك الدماء العربية، وبعد انفلات واجتياحات المليشيات الطائفية وولادة تنظيمات جيوش الإرهاب المتمثلة في داعش والقاعدة، والنصرة التي ولدت من رحم الإرهاب وظلت تنمو وتترعرع في حضن أكبر نظام إرهابي في المنطقة نظام ملالي إيران.
تحالف أعداء العرب من قوى دولية وإقليمية شكل اختراقاً لواقعنا العربي وتم تجنيد الإسلام السياسي المنحرف والإرهاب الطائفي والتكفيري المدعوم من قوى دولية لا تريد الخير للعرب بطرحها أفكاراً ومشاريع لتهميش المنطقة العربية وإباحتها للقوى الإقليمية الطامعة لتتحول منطقتنا إلى غابة مشاحنات وحروب طائفية نشطت من خلالها المليشيات الإرهابية التي تحولت إلى جيوش استدعت تدخل الجيوش النظامية للدول. وفي مثل هذه الحالة والوضعية الهشة التي تواجه العديد من الدول العربية التي تحولت منها بالفعل إلى دول فاشلة نتيجة التوحش في أفعال القوى الدولية والإقليمية وأصبحت الدول الضعيفة مستباحة ومخترقة وخاضعة لنفوذ وتأثير قوى أجنبية بعيدة عن الحدود وإقليمية متاخمة للحدود وأصبحت لقمة سائغة لتلك القوى، مما يتطلب من الدول التي تريد أن تحافظ على استقلالها وقرارها السيادي أن تتسلح بكل ما يجعلها قادرة على تحصين أمنها الاستراتيجي وكيانها وهويتها الثقافية والاجتماعية، من منطلق إن لم تكن قوياً وقادراً على الدفاع عن دولتك، وتصبح ضعيفاً يسهل افتراسك، تأكيدا لمقولة «إن لم تكن ذئباً أكلتك الثعالب». والمملكة مثلما لا تريد أن تكون ذئباً لا تريد أيضاً أن تكون هدفاً للثعالب الذين عاثوا فساداً في حياض العديد من الدول العربية التي كانت وإلى وقت قريب قبل أن يخترقها الأعداء الطائفيون لاعبين مهمين يصنعون ويقررون سياسة المنطقة أصبحت دولهم ملاعب للدول الطامعة.
وهكذا وحتى لا تتحول الدول العربية إلى ملاعب للدول الطامعة وما أكثرها توالت مبادرات ملك العزم والحزم الذي حصن بعاصفة الحزم «ملعب الجزيرة» العربية بالدفاع عن البوابة الجنوبية «اليمن» وعبر تلك المبادرات لعبت المملكة العربية السعودية دور اللاعب المميز والقادر على توجيه اللعبة لصالح الأمة العربية، وهو ما تأكد في الخليج واليمن والسودان وجيبوتي وموريتانيا وتونس، وأخيراً مصر لتكون المملكة العربية السعودية وعبر ملكها وقائدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد أكملت وضع الأساس ولبنة معالجة الهموم العربية، لينطلق بعدها إلى معالجة الهموم الإسلامية، ومثلما اختار ملك الحزم والعزم مصر ليتوج بها مبادراته لتحصين الأقطار العربية وتحويلها إلى دول مؤثرة وقادرة وليست ملاعب للآخرين، توجه إلى تركيا ليبدأ رحلة مبادرات ترميم البيت الإسلامي ومعالجة الهموم الإسلامية، وجاء اختيار تركيا ليس فقط لأنها تستضيف القمة الإسلامية الآن، بل أيضاً لأنها من دول المقدمة الإسلامية التي تعزز القوة والهيبة الإسلامية وصهر قوتها وإمكاناتها مع القوى العربية هو الذي سيعالج الهموم الإسلامية التي تتقلص همومها ومشاكلها كثيراً إذا ما تحالفت ونسقت تحركاتها مع الدول العربية المحورية والكبيرة والمملكة العربية السعودية في طليعتها.