جاسر عبدالعزيز الجاسر
يتجه العراق للحاق بسوريا ولبنان والانضمام لركب الدول الفاشلة التي أصبحت مصيراً مؤكداً لكل الدول التي سقطت في دائرة النفوذ الفارسي.
إذ إن كل بلدٍ يسقط في دائرة النفوذ والهيمنة الإيرانية يتجه بسرعة للانهيار السياسي والأمني والاقتصادي، وهذا ما حصل في لبنان الذي يعاني من فراغ دستوري مركب بعد العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وصعوبة إجراء انتخابات برلمانية عوضت بتجديد عضوية نواب البرلمان الذي يفتقر لأي فعالية، وهو ما انعكس على الحكومة الحالية التي لا حول ولا قوة لها، ولا معنى لها سوى إشغال فراغ فرضته الهيمنة الإيرانية، وهو ما حصل في سوريا التي تتجاذبها جيوش مليشيات نظام ملالي إيران من حزب الشيطان، وبعد عجز هذه المليشيات من إخماد ثورة الشعب السوري دفعت إيران بقواتها العسكرية، فأرسلت لواء من القوات الخاصة لوقف الانهيارات التي طالت جيوش مليشياتها الطائفية وجيش بشار.
إرسال قوات نظامية إيرانية بالإضافة إلى جيوش المليشيات يؤكد انهيار الدولة السورية التي أصبحت مشتتة بين مناطق تخضع للسيطرة الإيرانية وأخرى تحت السيطرة الروسية وثالثة تحت سيطرة المليشيات الإرهابية من داعش والنصرة، ورابعة تحت سيطرة القوى المعارضة التي تشكل خليطاً من الجيش الحر وفصائل معتدلة وذات توجه إسلامي.
كل هذه الفوضى تسببت فيها إيران بتدخلها في الشأن السوري الذي يتكرر في العراق الذي سقط في القبضة الإيرانية منذ تواطأت قوات الاحتلال مع نظام ملالي إيران وعملائه في العراق الذين أعدوا عدتهم على الأراضي الإيرانية وأنشأوا ميلشيات وأحزابا دخلت تحت عباءة الاحتلال للعراق لتسيطر عليه خاصة بعد إقدام المحتل الأمريكي بحل الجيش العراقي والأجهزة الإدارية والأمنية، وهو ما دفع القوى السياسية الانتهازية التي تعاملت مع المحتلين على انتهاج أسلوب أتاح لهم تقاسم السلطة وحتى السيطرة على الاقتصاد بما فيه من مقومات الحياة للشعب العراقي، وسواء كان هؤلاء السياسيون من المكون الشيعي الذي تكتل في تحالف طائفي ضم الأحزاب التي تأسست في إيران وعززت وجودها بجيوش من المليشيات، أو من المكون السني الذي تبارى قادته في الحصول على المكاسب المادية ولأنهم بلا مرجعية سياسية جامعة وبلا مرجعية دينية قوية قادرة على الإنصات لها مثلما هو لدى الشيعة فقد تراجع تأثيرهم إلى ما دون المستوى الثالث بعدما تقدم المكون الكردي ليحتل المكانة الثانية والذي حصل بعد تحالفه مع المكون الشيعي على امتيازات تمت على حساب السنة.
تحالف المصالح الشخصية بين قادة المكونات الثلاثة الشيعة والسنة والأكراد، أوجد نظاماً سياسياً مشوهاً اعتمد على أسلوب المحاصصة وسمي زوراً بـ»العملية السياسية» التي مكنت من استشراء الفساد ونهب ثروات الشعب العراقي مع تعزيز النفوذ والهيمنة الإيرانية التي تجسدت في عملائها من قادة الأحزاب والمليشيات الطائفية التي تأسست في إيران.
والآن وبعد أن تم إفراغ الخزينة العراقية ولم يبق لمن قبلوا العمل مع المحتلين ثم قبول الأمر الواقع الذي فرضه ممثلو نظام ملالي إيران، وأصبحوا مكشوفين من قبل العراقيين الذين يعيشون الآن أسوأ أيامهم، وبدأت الخلافات تظهر على السطح، خاصة بعد المطالبة الشعبية بإلغاء أسلوب المحاصصة وتجاوز الطائفية وتطور الفعل الشعبي العراقي من مظاهرات أسبوعية تقام كل يوم جمعة، إلى اعتصام قاده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي تعرض للتهميش من قبل عملاء إيران، والذي حاصر المنطقة الخضراء مع أتباعه الذين انضم إليهم نسبة كبيرة من أهل السنة، ليتطور الأمر إلى الطلب من رئيس الحكومة بتشكيل حكومة تنقراط بعيداً عن المحاصصة، ولما استجاب رئيس الحكومة للمطالب الشعبية، أفشل السياسيون ورثة الاحتلال من المكونات الثلاثة عمله ما جعل الأمور تتطور إلى أبعد من ذلك، حيث انتقل الاعتصام من المتظاهرين من المنطقة الخضراء وساحة التحرير إلى مقر البرلمان العراقي الذي اعتصم داخله 174 نائباً عزلوا المكتب الرئاسي للبرلمان «سليم الجبوري» ونائبيه الشيعي والكردي، وأعلن النواب عزمهم عقد جلسة ثانية في بداية الأسبوع للتصويت على عزل رئيس الجمهورية الكردي فؤاد معصوم، ورئيس الحكومة الشيعي حيدر العبادي، وسط اعتراضات وأخرى مؤيدة، مما يشير إلى سقوط ما سمي بالعملية السياسية في العراق، في حين يتفاءل الكثير من العراقيين أن يؤدي هذا المخاض إلى سقوط نهج المحاصصة الطائفية العراقية التي فرضها الاحتلال على العراق.