إبراهيم عبدالله العمار
زرت تركيا في الآونة الأخيرة. لم تكن كما أتوقع.. بل أفضل كثيرًا.
لا أتكلم فقط عن حسنها ونظافتها، سواء إسطنبول الكبيرة الصاخبة أو أنطالية الرقيقة الهادئة. كلتاهما تثير الإعجاب من هذا الوجه؛ فالأتراك (نظيفون)، ولا يرمون نفاياتهم في الشوارع والحدائق.. لكن ليس هذا السبب الأول لإعجابي بتركيا.
قدَّرتُ نظامها. رأيت التزامًا بالأنظمة الحكومية في الكثير من الأماكن، وإن كان ليس كاملاً، لكنه جيد.
راق لي طعامها. الأكل التركي من ألذ مأكولات العالم كما هو معروف. ونحن العرب لا نستغني عن الكثير من طيبات المطبخ التركي، مثل ورق العنب (دولما)، والشاورما (دونر)، والكباب والبقلاوة، وغيرها. الأكل التركي أيضًا يحل مشكلة الأكل الحلال الذي يصعب وجوده في بعض الدول.
التاريخ من أعظم ما تجده في تركيا. أمم كثيرة استوطنت هذه الدولة، مثل الفريجيين والحيثيين الذين عاصروا الفراعنة، والأخمينيين الفارسيين، ثم فتحها الإسكندر الأكبر، ومن ثم أتى اليونانيون الذين كوَّنوا أمة الروم البيزنطية، والكثير من الأمم غير ذلك. ولا تجد مكانًا إلا وله قصة مبهرة عن قوم عاشوا فيه، مثل مدينة ديرن كويو تحت الأرض التي اختبأ فيها الناس هربًا من الاضطهاد قبل آلاف السنين، أو صوامع منحوتة في الجبال، أو آثار الرومان والبيزنطيين، وأسوار القسطنطينية التي بنوها، والتي فتحها المسلمون على يد محمد الفاتح، تلك المدينة العظيمة التي استعصت على كل الأمم.
التاريخ مذهل في تركيا، رأس ميدوسا على الأعمدة، صهريج باسيليكا الذي جلب الماء لقصر الإمبراطور البيزنطي، آثار العثمانيين - رحمهم الله - من مساجد ومبانٍ وقصور ومدارس.. متحف طوب قابي الذي تجد فيه سيفَيْ خالد والزبير، وآثار قدم الرسول، وبعض لحيته، وجبة الحسين - رضي الله عنه -، وآثار تاريخية أخرى ساحرة، تجعلك تقف متسمرًا مبهورًا.
كل هذه أسباب جعلتني معجبًا بتركيا، لكن أحببت تركيا لسبب آخر. أتعلمون ما هو؟
الناس.
الأتراك هم الذين جذبوني. رأيت في الشعب التركي صفات رائعة. أولاً هو شعب ذو همة. عام 2007م اخترع علماء أتراك تقنية، تسمح برؤية ما خلف المواد الصلبة، تجعل ما خلف الخرسانة وأسفل الأسفلت مرئيًّا. يمكن استخدامها في كشف ألغام معينة، أو حتى استخدام طبي في رؤية خلايا السرطان والقضاء عليها. عام 2015م طوَّر علماء في جامعة تركية تقنية حاسوبية، تتيح تصوير ما يشاهده المرء في الحلم، أو حتى تخيلات اليقظة! عام 2016م صنع أطباء أتراك دمًا صناعيًّا، يحل محل الدم الطبيعي في الحالات الطارئة، ويناسب كل الفصائل، ويخزن حتى سنة كاملة. العسكرية التركية تصنع الكثير من أسلحتها بنفسها، بما في ذلك الدبابات والصواريخ المضادة للطائرات وناقلات الجنود والمدرعات.
غير ذلك فهو شعب شهم. أول ما وصلت هناك كنت في الحافلة، ولما أردت النزول لمكان السكن ومعي أمتعتي صعب علي هذا، خاصة مع الزحام حولي، وإذا بيد تظهر فجأة، وتحمل بعض أمتعتي وتُنزلها، إنه شاب تركي، ثم اختفى بالسرعة نفسها التي ظهر بها؛ لا يريد مقابلاً. تكرر هذا معنا رغم قصر الإقامة هناك. ستتعود أن ترى مثل هذه المشاهد. هل أنت ضائع في مكان ما، وعليك علامات الحيرة؟ لا تستغرب لو توقف عندك أحد المارة، وسألك عن وجهتك، ثم دلك عليها ومضى لحاله. لا يريد حتى الشكر (الذي يستحقه).
إنها دولة ساحرة بديعة من كل وجه، خاصة أناسها الرائعين.