إبراهيم عبدالله العمار
لا نزال في سلسلة البحث عن مدينة إرم المفقودة، وهي رحلة للمستكشف الأمريكي نيكولاس كلاب يبحث فيها عن أطلال عاد، ووقفنا الأسبوع الماضي عند تنقيب كلاب وفريقه من العلماء لقرية شصر في عُمان قريباً من الربع الخالي ووجدوا قطعاً أثرية رومانية تدهش لأن الإمبراطورية الرومانية لم يصل نفوذها لتلك المنطقة، ووجدوا آثاراً كثيرة لم يوجد مثلها في جزيرة العرب مما جعلهم يتساءلون: هل هذه هي إرم، مدينة عاد؟ لكن لم يريدوا أن يستعجلوا في الحكم، وأكملوا التنقيب. رأينا أيضاً أنهم وجدوا جزءً من حصن قديم بُني في أوائل عام 1500م، لكن توقعوا أن هذا ليس عمره الحقيقي وأنه أقدم من ذلك وأعيد بناؤه في ذلك التاريخ.
بدأ العلماء التنقيب في الأسبوع الثالث في إقامتهم في شصر، وهذه المرة قرروا التركيز على الحصن بدلاً من التنقيب والبحث عن الآنية، ورأوا جداراً هو جزء من الحصن. الجدار الذي بدا كأنه يمتد شرقاً من الحصن حيّرهم، فبدل أن يمتد بشكل مستقيم، صنعَ انحرافاً، أي توقف تماماً ثم ينحرف. غريب! تتبعوه حجراً بحجر متسائلين: هل هناك شئ منهار هنا؟ قال بعضهم: لعله تشكيل طبيعي وليس جداراً؟ لكن لا، إنه جدار وينحني بشكل مثل حدوة الحصان، وبعدها يكمل خطه الأساسي. فجأة انتبه عالم الآثار، وأخذ خطوة للوراء. قال لهم: «أتعلمون؟ يبدو أن لدينا برجاً هنا!» صعدوا أعلى سياراتهم ليروا من مكان مرتفع. قال عالم الآثار: «برج! تأمل هذا! إنك لا تبني واحداً هكذا في منتصف العدم، في هذه الصحراء! إذا كان لديك برج فسيكون لديك المزيد من الأبراج!»
وهنا في شصر فإن البرج لا شك أنه سيكون جزءا من مبنى أكبر، أي...قلعة. قلعة حَمَت الماء هنا وحفظت حصاد الموسم من البخور الذي يعتقد أن عاد تاجرت به. بعد امتداد الخط يقف الجدار الصخري وبعدها توجد بعض آثاره ، فأخذوا يبحثون وهناك اكتشفوا قواعد برج آخر أكبر من الأول ودائري الشكل، كان يحوي بقايا من دَرَج داخلي وحوى فرناً أو مكاناً لإشعال النار محاطاً بقطع صخرية مثل الشرائح المستطيلة العمودية تعكس الحرارة. ما وظيفة الفرن؟ لم يكن لصهر المعادن لأنهم لم يجدوا نفايات أو بقايا معادن. ربما هدفها معالجة البخور؟
لما أذّن الفجر من منارة القرية قال المستكشف كلاب: «دَفَعَتني نفسي أن أقرأ سورة الفجر والتي كنت أقرأها كثيراً: }ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد{. إذا كانت هذه إرم فأين العماد؟ أحد التفاسير ظهر لي في كلمة «عماد». في الاستخدام الحالي تعني عموداً أو ركناً، لكن التعريفات القديمة كانت أوسع من هذا، في ترجمة جورج سيل نسخة 1788م وهي أول ترجمة إنجليزية للقرآن، تُرجمت بمعنىً قريب جداً من كلمة أبراج».
يكمل الباحثون التنقيب، وسنرى المزيد من المدهشات التي اكتشفوها هناك في الأسبوع القادم بإذن الله.