يوسف المحيميد
حينما أصدر وزير العمل د. مفرج الحقباني قراراً بقصر العمل في مهنتي بيع وصيانة أجهزة الجوالات على السعوديين والسعوديات، انطلقت في مواقع التواصل الاجتماعي أصوات مشككة، معظمها لوافدين عرب متضررين من القرار، وبعضها لسعوديين محبطين، يعتقدون أن صيانة الجوال تحتاج إلى هندسة نووية، مع أنها أمر سهل وبسيط للغاية، تحققها الدورات التدريبية المجانية التي أطلقتها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني يوم الأحد الماضي، والمدعومة من صندوق تنمية الموارد البشرية لتأهيل الكوادر السعودية في صيانة الجوالات، حيث ستساعد هذه الدورات في تطبيق القرار بتوطين وظائف الجوالات بالكامل خلال ستة أشهر من أول رمضان القادم.
وأغرب ردود الأفعال جاءت ممن يتحدث بإنسانية عن بطالة غير السعوديين ممن سيلفظهم هذا السوق الضخم، وكأنما نحن مسؤولون عن خفض معدلات البطالة لدى دول العالم قبل مواطنينا، وعن رفاهية شعوب العالم قبل شعبنا، فلنتوقف عن هذه الآراء الطوباوية، ونفكر بموضوعية عن مستقبلنا الاقتصادي، وتشغيل شبابنا وشاباتنا في هذا القطاع التجاري المهم.
شخصياً أتمنى من كل شاب عاطل، وشابة عاطلة عن العمل، المبادرة للالتحاق بهذه الدورات في معظم مدن المملكة، خاصة أن هذه الدورات التدريبية المجانية تنظم خلال فترتين صباحية ومسائية، حسب ظروف المتدرب، في أربعة برامج تشمل صيانة الجوالات وبيعها، وأتمنى أن يمتلك هؤلاء الشباب الطموح والإرادة والعزم، ليس فقط في الاستفادة من الوظائف التي سيتم توفيرها ودعمها من صندوق التنمية البشرية فحسب، وإنما المغامرة والجرأة في الاستفادة من برنامج دعم تدريب وتأهيل أصحاب المنشآت الصغيرة، وبرنامج دعم ملاك المنشآت الصغيرة، والاستفادة من القروض التي تمنحها الدولة للشباب والشابات الراغبين في إنشاء محال خاصة لبيع وصيانة الجوالات، تلك التي تدر ذهبًا، حسب شهادات من يعملون فيها.
فإذا كان متوسط مبيعات أحد هذه المحال يبلغ نحو ألفي ريال يوميا، أي ستين ألف ريال شهريا، فهو سيحقق ربحا شهريا لا يقل عن عشرين ألف ريال، إذا افترضنا أرباحها 30 بالمائة، مع أنها أعلى من ذلك بكثير. فأيهما أفضل أن يعمل السعوديون والسعوديات في وظائف (سكيورتي) و(كاشيره) بثلاثة آلاف ريال (مع احترامي الكبير لجميع المهن الشريفة) أم يرتفع سقف طموحهم، ويعملون لحسابهم، وتكبر تجارتهم يوما بعد يوم؟
علينا إذاً أن نشجع شبابنا، وندعمهم كثيرًا، في مجال الاتصالات، لأسباب اقتصادية واجتماعية وأمنية، وعلينا أن نتوقع حربا شرسة من المتضررين من هذا القرار، وأن تتكتل تجارة الجملة التي يسيطر عليها وافدون، ضد المواطنين، وتحرمهم من تسهيلات تموين محالهم الصغيرة من بضاعة الجوالات وإكسسواراتها، فلا يكفي صدور القرار، بل لابد من تنفيذه، ومتابعة تنفيذه، وحماية المواطنين العاملين في هذا القطاع، ومعالجة العوائق أولا بأول، كي نضمن له النجاح، فهي ليست مهمة وزارة العمل فحسب، وإنما تشترك معها وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الشئون البلدية والقروية، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والأجهزة الأمنية والرقابية في الدولة، إضافة للمواطن نفسه، ضمير الوطن وصوته الحقيقي.