يوسف المحيميد
في أواخر التسعينات، في منطقة إيتون، في مدينة نوريش، ببريطانيا، كنت أستمتع صباحات السبت، بمرور سيارة حافلة، تقف أمام البيوت، وتفتح أبوابها كاشفة عن مكتبة صغيرة وأنيقة، توفر الكتب للأطفال بصيغ مختلفة، وتوفيرها لهم بأكثر من طريقة، إما بالقراءة أو الإعارة، كنت آنذاك مأخوذا بحكاية أن المكتبة تأتي إليك، ولا حاجة أن تذهب أنت إليها، فالكتاب يقف عند باب منزلك، يطرقه بلطف، يوقظك من النوم، ويرمي بالحكايات والقصص والأفكار على سريرك، قبل حتى أن تتناول فطورك، ما أجمل أن تكون وجبة إفطار الطفل: كتاب!
تذكرت ذلك، يوم الأثنين الماضي، حينما احتفلت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بتدشين مشروعها مصادر التعلم المتنقلة، بوصفه أحد برامج المشروع الثقافي الوطني لتجديد الصِّلة بالكتاب، وذلك في حديقة ابن عياف بحي الحمراء، وقام بذلك التدشين معالي المشرف العام على المكتبة فيصل بن معمر، ومعالي أمين منطقة الرياض المهندس إبراهيم السلطان، بحضور عدد من المثقفين، ومرتادي الحديقة، وغيرهم.
وفي كلمة مرتجلة للمشرف العام على المكتبة قال فيها «يجب أن نذهب للقارئ، ولا ننتظر أن يأتي إلينا» مما يؤكد الرؤية المهمة المتبعة في الغرب منذ عقود بعيدة، وهي الذهاب للقارئ وتحفيزه باستمرار كي يقرأ، كما في مذكرات أمينة مكتبة، شغوف بعملها، وبمكتبتها، كانت تقول أنها تذهب إلى أماكن تجمعات الأمهات والأطفال في الحدائق العامة والميادين، وتقرأ عليهم إحدى القصص المشوقة، وحين تلاحظ اهتمامهم وانسجامهم معها تتوقف، وتخبرهم إن كانوا يرغبون ببقية القصة، وبغيرها من القصص الممتعة، عليهم أن يزوروا المكتبة، وتوزع عليهم بطاقات العنوان، وهكذا يزداد رواد المكتبة، والقراء، يوما بعد يوم!
إن هذا المشروع الجميل الذي يديره د. فهد العليان، يعد امتدادا لمشروع تجديد الصِّلة بالكتاب، هو عبارة عن حافلتين تضمان أكثر من خمسمائة عنوان في مجالات المعرفة المتنوعة، تزوران عددًا من الأحياء في أنحاء الرياض، بهدف تشجيع القرّاء وغير القرّاء، وجذبهم إلى عالم القراءة الجميل، ومنحهم الكتب بنظام الإعارة المجانية، حيث الكتاب المعار، عادةً، يحفز الإنسان على قراءته بأسرع وقت ممكن، ويحفز إلى المزيد من القراءات المختلفة.
ولعل أجمل ما لاحظت من ردود الأفعال على هذا التدشين، أن بعض المغردين في مدن المملكة المختلفة يتمنون تنفيذ مثل هذا المشروع في مناطقهم، وأعتقد أنه يمكن استنساخ هذا المشروع ببساطة في أكثر من منطقة، فكما دعم أحد البنوك التجارية هذه التجربة في الرياض، ليس مستحيلا أن ترحب بنوك وشركات أخرى، بدعم مثل هذا المشروع، وتكرار التجربة، طبعا بعد مبادرة المهتمين، سواء أمناء المكتبات العامة، أو الأندية الأدبية في هذه المناطق، ومخاطبة جهات القطاع الخاص الداعمة، لحظتها سنشعر أن التجربة انتشرت وكبرت، وحققت فعلا هدفها الأسمى للوطن بأسره، وهو: تجديد الصِّلة بالكتاب.