يوسف المحيميد
رحلت زها حديد، مهندسة معمارية في عباءة فنانة معاصرة، الحائزة على جائزة بريتزكر (2004) أكبر جائزة في مجال التصميم المعماري، وتعادل جائزة نوبل في القيمة والشهرة، هذه المصممة الفنانة كانت أول امرأة، وأصغر مهندسة نالت الجائزة منذ بدايتها قبل ربع قرن!
هذه المبدعة تتعامل مع تصميماتها المعمارية كقطع فنية نادرة، اتهمها مهندسون معماريون تقليديون بأنها مهندسة ورق، معمارها على القرطاس فقط، لكن تنفيذ تصميماتها في مختلف أنحاء العالم جعلها تبطل أكاذيبهم، فمن يرى مبنى متميزًا ما في مدينة ما، يدرك أن بصمة الفنانة العراقية خلفها، من دار الأوبرا في قوانجو بالصين، وحتى متحف «غوغنهايم والأرميتاج» في ليتوانيا عاصمة الثقافة الأوروبية 2009، والاستاد الوطني الجديد باليابان، ومركز الفنون الحديثة بروما، وغيرها كثير من التحف المعمارية المذهلة!
كم نحن محظوظون بوجود تحفتين معماريتين للمهندسة الراحلة زها حديد، بمدينة الرياض، الأول هو مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية على طريق المطار، والثاني هو محطة مركز الملك عبدالله في مترو الرياض، فمثل هذه التصميمات النادرة هي قطع فنية جميلة، سواء كنت بداخلها، أو خارجها!
الجانب المهم من حياة زها حديد، المولودة في بغداد (1950)، أنها هاجرت إلى بريطانيا عام (1977)، أي قبل ثلاث سنوات فقط من حرب طاحنة مع إيران امتدت ثماني سنوات، مات خلالها من مات، وجاع من جاع، وتشرد من تشرد، كان يمكن أن تصبح زها حديد مدرسة في مدرسة ابتدائية آنذاك، ولو نجت من حرب العراق إيران، فقد لا تنجو من حرب تحرير الكويت (1991)، ولو نجت منها، فقد لا تنجو من الغزو الأمريكي (2003) ولو نجت من ذلك، فقد تصبح سبية بين أيدي داعش، إن لم تُقتل، أو تُرجم!
وقد يكون السؤال الأكثر أهمية، كم يوجد في العراق العظيم من موهبة مذهلة لم تنفذ بجلدها من بلد مجنون وعبثي، لا يخرج من حرب إلا يدخل في غيرها، ولا يتخلص من دكتاتور حتى يقع في براثن عصابات قتل وتشريد؟ كم من زها حديد ترددت في الهجرة من العراق، ومن غيرها في العالم العربي الكبير؟
ها هي السيدة أودري أزولاي، من أصل مغربي، تستلم حقيبة وزارة الثقافة والاتصال الفرنسية، وهي ثالث فرنسية من أصل مغربي، تتقلد حقيبة وزارية في الحكومة الفرنسية، بعد نجاة فالو، ومريم الخمري، وهؤلاء السيدات لو بقين في المغرب، فلن يحظين بأكثر من فرصة مربية أو معلمة رياض أطفال في أحسن الحالات!
ما الذي يجعل العالم العربي لا يثق بالمرأة، ولا يمنحها الفرصة الكاملة كي تُنجز، وتُبدع بحرية، دون ملاحقة وتعقب وشكوك، إنني أدرك أن ثمة نساء عربيّات متميزات، وملهمات، ولديهن القدرة على مفاجأتنا بقدراتهن الاستثنائية، فقط دعوهن يحلقن بأفكارهن بجناحين من حلم، أليست تصاميم زها حديد كانت عبارة عن أحلام، اعتقد المهندسون أنها غير قابلة للتنفيذ، لكنها أصبحت وجه العالم الجديد.