د. محمد عبدالله العوين
ما يمكن الخروج به من الخطاب العام لمؤتمر قمة التعاون الإسلامي الذي انعقد في أستانبول الخميس الماضي 7 رجب 1437هـ 14 إبريل 2016م أنه خطاب شكوى يئن ويتألم من الأوضاع المأساوية للعالم الإسلامي التي لم تتزحزح عن حالتها القديمة المزمنة منذ قرون، لا؛ بل من قرون طويلة من الزمان، ربما من سقوط بغداد الأول 656هـ الموافق 1258م أو سقوط غرناطة 897هـ الموافق 1492م أو انهيار الخلافة العثمانية 1341هـ الموافق 1923م أو قبل ذلك الانهيار بست سنوات حين تقاسم العالم الأوروبي المنتصر في الحرب العالمية الأولى أو الذي كان على وشك الانتصار ممالك الخلافة العثمانية التي كانت على وشك الانهيار بعد توالي الهزائم المتتالية عليها في بلدان أووربا الشرقية والمنطقة العربية، وإذا كانت تلك الأحداث المؤلمة الجارحة للوجدان العربي المسلم بعيدة عن الذاكرة الثقافية؛ فإننا نصطلي الآن بنار متجددة من لهيب محاولات إفناء الأمة العربية والإسلامية خلال سنوات خمس دامية مرة من حرائق الخريف العربي، التي ليست إلا استمرارا لتلك الأحداث البعيدة الآنفة الذكر، فعلى الرغم من الضرب العنيف في الجسد العربي خلال تسعمائة عام من كل جانب من أمم الغرب ومن أمم الشرق إلا أن ميكانيزم القوة وعناصر الحياة المتجددة الدافقة فينا دافعت بضراوة عن أن نفنى أو نندثر.
خطاب مؤتمر التعاون الإسلامي خطاب شكوى مأزوم لأمة مأزومة بالفعل، والشكوى ليس فيها مما يعيب قليل أو كثير؛ بل بما يكون الصوت العالي المباشر الشفاف المتذمر الرافض المستنكر بداية للبحث عن طريق الخلاص من حصار الموت والإفناء.
الصوت المتذمر على مستوى القمة لا على مستوى الشعوب ليس جديدا؛ فمنذ أن عقد أول اجتماع لمنظمة المؤتمر الإسلامي (الاسم القديم لمنظمة التعاون) في الرباط قبل ستة وأربعين عاما في 25 من سبتمبر 1969م بعد حريق الأقصى ونحن نئن ونشتكي ونرفع الصوت عاليا بطلب الخلاص دون جدوى، بل إن المنطقة العربية والإسلامية استقبلت منذ ذلك الحين وإلى اليوم عشرات من المصائب والأحداث لم تكن أقل مأساوية مما وقع على الأمة منذ أن سقطت بغداد سقوطها الأول على يد المغول 656هـ فخلال ما يقرب من نصف قرن من الزمان الملتهب شهدنا أيلول الأسود 1970م على الفلسطينيين في الأردن، ثم تكوين تنظيم ملالي الفرس الكهنوتيين الخمينيين وزفهم إلى السلطة في طهران 1979م لتحقيق أغراض استعمارية في المنطقة، ثم إيقاد نار الحرب بين إيران والعراق بعد ثورة الخميني مباشرة، ثم صبرا وشاتيلا 1982م، ثم تكوين حزب الله الإرهابي في لبنان في السنة نفسها، ثم غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990م المدبر بمكيدة دولية لأهداف بعيدة تسعى للهيمنة على المنطقة العربية وإدخالها في عالم الفوضى لتفتيتها، ثم حصار العراق وإسقاط نظام صدام والحق أنه إسقاط النظام العربي والجيش العراقي العربي بالغزو الأمريكي للعراق في 2003م وإهداء العراق لإيران بحماية أمريكية لتبدأ منه التمدد في ديار العرب برضا ودعم دوليين، ثم التسخين السياسي والحقوقي المزعوم بواسطة عدد من مؤسسات المجتمع المدني وأكاديميات التغيير لتفكيك الأنظمة السياسية القائمة على طريقة عمل «الخوارج» في التاريخ الإسلامي من أجل إحداث حالة انهيار تام لمفهوم الدولة العربية كي تدخل في حالة الفوضى التي بشرت بها كوندا ليزا رايس عام 2006م مقدمة لتقسيم دول المنطقة إلى كانتونات صغيرة وإعادة رسم خرائطها، وهكذا اشتعلت شرارة الفوضى بعد التسخين واستقطاب النشطاء الحقوقيين ورموز ما يسمى بالإسلام السياسي المتكئ على مفهومات جماعة الإخوان المسلمين في 17 ديسمبر 2010م ثم امتد حريق الفوضى إلى مصر وسوريا وليبيا والعراق والبحرين واليمن، ولا زلنا نعيش هذا الخريف تدميرا للمدن وتخريبا للمنشآت وإهلاكا للحرث والنسل ودماء تسيل أنهارا في سوريا وليبيا والعراق واليمن وتكوينا للتنظيمات والجماعات الإرهابية كداعش ومن لف لفها.
كيف لا تثير هذه السلسلة من الأحداث المأساوية التي مرت ونعيش فصولا لاهبة منها شجون المتحدثين من زعماء العرب والمسلمين؟!
لقد تحدث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عن أمور لعل من أبرزها الدعوة إلى كف أذى من يتدخل في شؤون الدول العربية، فإيران ما برحت منذ أن قامت ثورتها الخمينية المشؤومة وهي تسعى إلى زعزعة أمن الدول العربية وإسقاطها في الفوضى والحروب والتخلف والفقر، ثم دعا الدول الإسلامية إلى التكاتف مع التحالف العسكري الإسلامي الذي أنشأه لحماية بلدان العرب والمسلمين من التفتت ومحاربة الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
وتحدث الرئيس أرودغان بخطاب مؤثر مرتجل عن ضرورة تغيير نظام الأمم المتحدة وإسقاط الفيتو الذي تهيمن عليه دول خمس، والنظر إلى بروز كتل أممية جديدة، وكأنه يعني كتلة العالم الإسلامي الذي تمثل تركيا إحدى دوله القوية الناهضة عسكريا واقتصاديا وحضاريا، ودعا إلى التصالح والتكاتف بين دول العالم الإسلامي.
مؤتمر التعاون الإسلامي في أستانبول صرخة شاكية مدوية؛ ولكنها لن تكون ذات جدوى، ولن تحدث تغييرا جوهريا يطفئ الحرائق ويكف يد التغول الدولي والفارسي الشوفيني في المنطقة دون إعلان وحدة إسلامية شاملة تحت لواء «التحالف العسكري الإسلامي» ونفي إيران الفارسية وطردها من منظمة التعاون وحصارها سياسيا واقتصاديا واتخاذ كل ما يكفل عودتها إلى جغرافيا إيران فقط وإسقاط مفهومها المتخلف القائم على «ولاية الفقيه، وتصدير الثورة».
إيران هي يد الاستعمار الجديد في ديار العرب والمسلمين، وبدون أن تواجه بقوة وصلابة لن تنعم المنطقة بالاستقرار والسلام.