د. محمد عبدالله العوين
تتعلق آمال العرب والمسلمين على مساعي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أيده الله - لرأب الصدع في العلاقات العربية الإسلامية ؛ ومما يؤسف له أن الاختلاف في وجهات النظر بين بعض الدول قاد إلى تباين واسع في المواقف السياسية ترتبت عليه حملات إعلامية عنيفة في مختلف وسائل الإعلام وصلت في أعلى مستوياتها إلى عدم التسليم بالوضع السياسي الراهن في مصر - مثلا - بعد حركة التصحيح التي قام بها عبد الفتاح السيسي بعد مظاهرات 30 من يونيو 2013م كما هو الشأن في وسائل الإعلام التركية والقطرية؛ وبخاصة قناة الجزيرة التي لا زالت كاميراتها المباشرة تدور في أزقة وشوارع القاهرة الخلفية النائية لتصور عشرات من معارضي الوضع السياسي القائم الذي تسميه بالانقلاب على الشرعية.
إن هذا التأزم في العلاقات العربية والإسلامية وما يحدث من انقسام حاد بين أبناء الدولة الواحدة - أحيانا - التي لم تعد دولة؛ بل ولايات - بلغة الدواعش الإرهابيين - كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن والعراق ليس إلا غاية واحدة من الغايات اللئيمة التي سعى إليها مخططو الفوضى ومثيرو الفتن في عالمنا العربي والإسلامي، وأقل غاياتهم التراشق الإعلامي والشتائم السياسية والطائفية التي لا تورث إلا التباعد والكراهية، أما أعلاها فالوصول إلى إيقاع المجتمعات العربية التي انقسمت وتراشقت في حالة حرب بين كل مكوناتها المذهبية والإقليمية تحت دعاوى مختلفة، إما تحت راية دينية موهومة ضالة منحرفة كما هو شأن الدواعش الذين ينفذون بعض مخطط الفوضى، أو راية طائفية مذهبية كما هو شأن الحشد الشعبي في العراق المكون من أحزاب وجماعات شيعية فارسية لا تخدم إلا إيران، أو تحت راية «إخوانية» تسعى إلى بسط نفوذها على العالم العربي والإسلامي وفق رؤية تخدم مخطط التقسيم وتنسجم مع الرغبات الفارسية والإسرائيلية.
ومنذ أن أسقطت حركة التصحيح التي قام بها الشعب المصري في 30 من يونيو ونفذها عبد الفتاح السيسي للحفاظ على مصر من الانهيار الذي بات واضحا أنها ستسقط في أتونه حتما لو استمرت جماعة الإخوان في الحكم؛ منذ ذلك الحين والمنتمون إلى الجماعة ينفخون في الأبواق لإعادة مصر إلى الفوضى التي نجت منها.
ومما يجب التنويه عليه قبل التطلع إلى تمني أو تحقيق مصالحة بين مصر وتركيا أن علاقة المملكة مع مصر تقوم على مفهوم «الدولة» لا على مفهوم «الشخص» أي أن مصر دولة وشعبا وتاريخا وإمكانات هي المعول عليها، أما «الحاكم» فإنه يتغير ويتبدل، وقد تتغير معه وتتبدل السياسات؛ ولكن قيمة «مصر الدولة والشعب» لا يمكن أن تتغير أو تضعف، وقد وفق الله الشعب المصري العزيز إلى اختيار الحاكم الذي ينأى بمصر عن المخاطر ويقودها إلى بر الأمان ويتضامن مع إخوانه العرب والمسلمين في الحفاظ على الأمن القومي العربي والإسلامي، وذلك لا شك أمر مبهج وسار يدفع إلى التضامن والتكامل؛ إن لم يكن التحالف السياسي والعسكري والاقتصادي، وقد سارت المملكة في الطريق الذي اختاره الشعب المصري ووقفت مع حركته التصحيحية وساعدته للخلاص مما قادت إليه فوضى الخريف العربي بعد إسقاط نظام حسني مبارك في ثورة 25 يناير 2011 والتي اتصفت بالتخريب وحرق المنشآت وانعدام الأمن وتوقف الحياة الاقتصادية مما سهل وصول جماعة الإخوان التي استغلت الفوضى «المدروسة» والمخطط لها والمدعومة من قوى استخباراتية غربية للوصول إلى السلطة.
لن نعود إلى الماضي وقد انقشع غباره ولن يعود بإذن الله، وسار قطار التصحيح في الطريق السليم إن شاء الله، وأظهرت السعودية بقيادة الملك عبد الله - رحمه الله - موقفها العروبي والإسلامي الشهم لإنقاذ مصر من أن تختطفها فوضى الخريف العربي، ثم واصلت المملكة مواقفها الشجاعة والسخية مع مصر في عهد الملك سلمان - حفظه الله - وتحققت نجاحات عالية لتوحيد وتقريب وجهات النظر حيال أزمات المنطقة الدامية، مما نتج عنه تفاعل مصر مع مبادرة الملك سلمان البطولية الرائدة لتكوين التحالف العربي لإنقاذ اليمن من الهيمنة الصفوية الفارسية، ثم انخراطها في التحالف العسكري الإسلامي الواسع الذي قارب أعضاؤه الآن على أربعين دولة.
ولعل في الجهد الكبير الذي يبذله خادم الحرمين الشريفين في زيارته إلى مصر ثم إلى تركيا ما يصلح العلاقة المتوترة بينهما ويقرب بين وجهات نظرهما، بحيث تطوى الصفحة القديمة ويبدأ البلدان مرحلة جديدة من التعاون والتكامل في سبيل حماية المنطقة العربية والإسلامية من التفتت والتشتت والتقسيم ، فالخطر الداهم لا يستثني أحدا، والحرائق تشتعل قريبة من كل دولة، وما لم تجتمع الدول الرائدة الكبيرة القوية مثل السعودية ومصر وتركيا على توحيد الرؤى والمواقف وتحقيق معاني التكامل في كل الجوانب؛ فإن المصير الأسود القادم لن ينتقي دولة دون دولة لإيقاعها في بؤرة الفوضى والدمار والتقسيم.
الأمل كبير في أن يحقق الله آمال قائد الأمة ومجدد عزائمها وجامع كلمتها وباني همتها في الوحدة والقوة والحزم سلمان بن عبد العزيز.