د. محمد عبدالله العوين
تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - لمصر التي تبدأ غداً تتويجاً لمرحلة طويلة تقارب السبعين عاماً لتزداد رسوخاً وتمكيناً، على الرغم من منعطفات المواقف والحالات السياسية المضطربة في الوطن العربي بعامة، لتصل الآن إلى تأكيد الاتفاق الاستراتيجي بين السعودية ومصر في ظل الظروف الصعبة الراهنة التي تمر بها المنطقة العربية؛ فمع فوضى ما سمي زورا بالربيع العربي، وما صاحبه من مؤامرات تدمير الأمة العربية بإدخالها في نفق التيه والتمزق والاحتراب الطائفي والإقليمي وإشعال نار الفتن في أربع دول عربية؛ هي العراق وسوريا واليمن وليبيا، وبعد أن أنقذ الله مصر من أن تنساق إلى الوقوع في ما وقعت فيه شعوب تلك الدول من حالة دموية مأساوية لا يعرف فيها القاتل من المقتول، ولا تعلم هذه الطائفة لِمَ تحارب تلك الطائفة.
كان لزاماً وأمراً حتمياً أن يقف البلدان والشعبان في وجه مغول العصر من الجماعات الإرهابية المسيرة من أعداء الأمة من صهاينة وعجم؛ فالخطر الماحق يلف بالخريطة العربية لتفتيها وتمزيقها بإشراف استخباراتي دولي وتنفيذ غبي - أحيانا - بأيدي بعض أبنائها ممن خدعوا بالشعارات الكاذبة البراقة، وممن استجابوا لدعاوى دينية ليست على حقيقتها، وإنما هي حق أريد به باطل.
كادت مؤامرة «الفوضى الخلاقة» أن تسقط مصر في بؤرة الاحتراب بين طوائفها ومكوناتها الدينية والاجتماعية؛ وسيجد المتآمرون في كل بلد ما يمكن إشعال وقوده ليعم الحريق الوطن كله؛ من اختلاف طائفي أو مذهبي أو عرقي أو طبقي، وهو ما سعى إلى تأجيجه مخططو «الفوضى الخلاقة» من خلال مؤسسات المجتمع المدني وباستخدام وسائط التواصل الاجتماعي؛ كالفيس بوك وجوجل وتويتر وغيره، ولكن وقفة المملكة السريعة والشجاعة والواعية مع الشعب المصري أنقذته من السقوط في فتنة الانقسام والاحتراب ودعمت حركة التصحيح التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو 2013م.
تمثل زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر رمزا قوميا ودينيا ساميا يتكئ عليه كل عربي ومسلم بثقة وعزة وافتخار؛ فالبلدان لديهما من جوانب التكامل الاقتصادي والعلمي والعسكري والبشري ما يؤهلهما لقيادة المنطقة العربية والعبور بها إلى شاطئ الأمان بعد أن كادت تعصف بها الأنواء الهائجة المؤججة المدبرة.
وتمثل مصر رأس حربة قوية في التحالف العربي المكون من اثنتي عشرة دولة، وفي التحالف العسكري الإسلامي الذي وصلت دوله الآن إلى أربعين دولة، وقد كان حضور القدرات العسكرية المصرية العريقة في مناورة «رعد الشمال» حضوراً مشرفاً ومبهراً أثار مشاعر الثقة والاعتزاز بالعسكرية المصرية الباسلة ذات الخبرات العريقة المتراكمة.
تأتي هذه الزيارة لتؤكد ما يربط بين القيادتين والشعبين من أبعاد لا حدود لها على مختلف الأصعدة الأخوية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، ولتؤكد أن خطرا ما قد يلم بمصر، أو أن خطرا ما قد يلم بالسعودية خطر على الدولتين، وكأنه «حلف» متين قائم على التكامل والاستعداد التام للدخول بكل القدرات العسكرية والبشرية لمقاسمة الحليف السراء والضراء، وربما لا نجد عبارة تختصر هذا المفهوم أكثر دقة مما عبر به الرئيس عبد الفتاح السيسي: «مسافة السكة».
سيتم التوقيع على اتفاقيات هيأها مجلس التنسيق المصري - السعودي في مجالات عديدة هي تصوير جلي لمفهوم التكامل بين الدولتين؛ لكن ما يأخذ موضع اهتمام العرب والمسلمين؛ بل العالم ما يتفق عليه القائدان من وجهات نظر تجاه الأزمات التي تعصف بأربع بلدان عربية هي سوريا واليمن وليبيا والعراق، فستكون بلا شك موضع البحث العميق بين الملك سلمان وأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وترجو الأمة العربية والإسلامية في اجتماعهما وبحثهما عن حلول ممكنة للأوضاع الدامية المأساوية ما يتمناه كل مخلص لأمته بعودة الأمن والسلام والاستقرار إلى المنطقة العربية، وكشف مخططات أعدائها وأحابيلهم وتنظيماتهم الإرهابية وجماعاتهم التي تعيث في بلدان ثورات الخريف العربي فساداً وتدميراً وتعطيلاً للحياة والأحياء.
السعودية ومصر هما الأمل المنتظر لإنقاذ الأمة من أن تقع فريسة للصفويين، أو طعما سهلا لمن يريد تمزيقها وتفتيتها إلى دويلات وطوائف لا قيمة لها.
السعودية ومصر هما من يبتدر إلى النزال في ميدان معركة الوجود أو العدم، للدفاع عن أمة مأزومة في خطر، أمة يهددها المغول الجدد، ويتآمر عليها الصليبيون الجدد، ولا منقذ لها بعد الله إلا وحدة الصف والكلمة والمصير الواحد المشترك بين العرب والمسلمين كافة، والسعودية ومصر على الأخص، باعتبارهما مركزي الثقل الروحي والتاريخي والاقتصادي في الأمة.