د. محمد عبدالله العوين
وقفت المملكة مع مصر وقفة الأخ حين رأت أن لهيب ما سمي بـ «الربيع العربي» يكاد يحرق هذا البلد العزيز بما يمثله من ثقل عربي وإسلامي وحضاري؛ وذلك بعد أن اندلعت شرارة الثورات العربية المحاكة لإشعال فوضى «خلاقة» كما أسمتها وزيرة الخارجية الأمريكية «كونداليزا رايس» عام 2006م قبل أن تنطلق الثورات بأربع سنوات، و»خراقة» كما نسميها نحن؛ إذ هي خرقت أمن المجتمعات العربية، ومزقتها وفتتتها وزرعت فيها الموت والخراب والدمار، وشتتت شعوبها، ودمرت حضاراتها، وأحالتها إلى الفقر والمجاعة والتخلف وتسول قارات العالم كما حدث فعلاً بعد 17 من ديسمبر 2010م حين أشعل البائع التونسي المتجول على عربته محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجًا على مطاردة مراقبة البلدية له ومنعه من البيع على الرصيف. وكانت نفوس التونسيين مشحونة بسبب الفقر وضيق الحال وشح مصادر الدخل وتفاقم البطالة، أو تحت ضغوط التمايز الطبقي والطائفي، وهو الشأن نفسه في كثير من الأقطار العربية، وبخاصة تلك التي كانت تحكم تحت نير العسكر كما في سوريا ومصر واليمن والعراق.
كانت غاية «المؤامرة» تدمير الوطن العربي، وإدخاله في ليل طويل حالك، لا يمكن أن يخرج منه إلا بعد أن ينهك ويتمزق ويتشتت، ثم تعاد صياغته من جديد على وضع يحقق الغايات الاستراتيجية البعيدة التي تم تدميره لأجلها، بدون أن تدمره غزوات جديدة أو تحتله جيوش استعمارية، كما كان الشأن في غابر السنين، لا، بل يدمر نفسه بنفسه، عن طريق إشعال وقود الصراعات البينية الدينية والطائفية والعرقية والمذهبية. ولا يستثني المخطط اللئيم دولة دون دولة في المنطقة العربية، بل يمتد جحيمه - لو نجح - إلى بعض الدول الإسلامية كتركيا مثلاً، رغم توريطها في بداية الأحداث بالمشاركة في صناعة شيء من صور الفوضى تحقيقًا لمصالحها كما صور لها الأمر؛ ولهذا وقفت وقفة المؤيد المندفع بروح الأيديولوجيا المشتركة مع محمد مرسي حينما تولى رئاسة مصر لمدة سنة، ودافعت عنه دفاعًا مريرًا كدفاع إيران الفارسية التي عشمت بأطماع واسعة في المنطقة، إن لم تكن هي وإسرائيل الرابحتين الوحيدتين من المؤامرة القذرة، التي تتوليان الآن قيادة مسارها التدميري منذ أن اشتعلت بطريقة عسكرية وإعلامية مكشوفة بواسطة الوكلاء والأتباع، أو بطريقة استخباراتية سرية كما تفعل إسرائيل ومن وراءها من الصهاينة في مراكز القرار السياسي والمالي الأمريكي والغربي.
أدركت القيادة السعودية، وعلى رأسها الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله -، الذي عاش السنوات الأولى لانطلاقة الفوضى الخراقة، أن المؤامرة تستهدف الوطن العربي كله؛ ولهذا وقفت المملكة وقفة قوية صلبة مع مصر؛ فمدت اليد في بداية الأمر للرئيس محمد مرسي بعد أن تم انتخابه؛ لعله يقود مصر إلى بر الأمان، ولكن ارتماءه في الحضن الإيراني، وإدخال مصر إلى الحظيرة الفارسية، على الرغم من تغول الفرس في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان، وسعيهم إلى إثارة القلاقل في المملكة، دفع الجيش المصري إلى أن يتخذ قراره بإعادة انتخاب رئيس جديد لمصر، وهو ما تم بعد مسيرات 30 من يونيو 2013م؛ إذ نزل من الشعب المصري إلى الشوارع المصرية أكثر من 30 مليونًا، وتم انتخاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي رئيسًا لمصر في 3 من يوليو 2013م، وكان الملك عبد الله أول المهنئين والمباركين بانتخاب الرئيس الجديد رغبة من المملكة في انتشال مصر من التجربة السياسية الإخوانية الفاشلة التي ثبت أنها متورطة بصورة أو بأخرى في خطة فوضى الخريف العربي مع إيران وتركيا. وقد فزع كثير من الدوائر الغربية، ومارست السياسة الأمريكية ضغوطًا عنيفة على القيادة المصرية الجديدة؛ لإعادة الوضع القديم، وإفشال التجربة الجديدة، وزارت مندوبة الاتحاد الأوروبي القاهرة بعد نجاح حركة تصحيح الثورة؛ للبحث عن فرصة ممكنة لإبقاء جماعة الإخوان المسلمين في الحكم، ولكن هيهات، وقد أدرك الجميع أن المخطط كبير جدًّا، والجماعة طرف فاعل في تنفيذه.
وتجدد المملكة الآن بزيارة الملك سلمان التاريخية وقفتها الشجاعة مع مصر، وتدرك القيادتان حجم المخاطر الجمة التي تلف المنطقة العربية، وهما تريان كيف دمرت أربع دول، ولا زالت في حالة مأساوية؛ ولذلك تم إقامة حلف خاص بين السعودية ومصر لإفشال مخطط مؤامرة الفوضى، بالتكامل بينهما سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، وشكل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - أيده الله - التحالف العربي لإنقاذ اليمن وإحباط مطامع إيران فيه، ثم شكل التحالف الإسلامي العسكري؛ لإتمام إنقاذ المنطقة العربية والإسلامية من الفوضى المخطط لها، واجتثاث الجماعات الإرهابية التي تنفذ أجندات المؤامرة على العرب والمسلمين.