د. سلطان سعد القحطاني
تحدثنا في الحلقتين الماضيتين عن عبد العزيز المهنا،وعن سبب تأليفه لهذا الكتاب الذي كشف النقاب عن كثير من الأكاذيب التي يروجها مرتزقة الحروب والقلاقل والخيانات الوطنية في حق الشعب العربي المغلوب على أمره في كثير من الأحيان وفي أحيان أخرى بمساعدة بعض القوى العظمى المستفيدة من تلك الفوضى في غياب الحكومات أو ضعفها.
كان حسن النوايا ونصرة المسلمين ضد الكافرين هي الشعار المضمر والمعلن في آن واحد عند المسلمين، وهو شعار قد دخله كثير من الغش والخبث من كثير لا يهدفون لحكم في يوم من الأيام إلا ما تيسر من غنائم في نظرهم أنها مشروعة. وكما ذكر المؤلف أن من يساعد هذه الإثارة الجهادية هم أمريكا وأصدقاؤها في المنطقة، عندما بدأت في أفغانستان- مثل باكستان ودول الخليج-وفي الوقت نفسه، هذه الدول ساعدت أمريكا في حربها ضد الروس، وأفتى رجال الدين أن الجهاد هو السبيل إلى الجنة، وأن المجاهد في سبيل الله لن يعدم إحدى الحسنيين (النصر أو الجنة) وظهر كثير من التصورات الخيالية، وصدق بها كثير من الناس خارج العقائد السليمة، مثل رائحة المسك،والأنوار التي شوهدت تنبعث ليلاً من قبور الشهداء، وغير ذلك.وظهرت رايات أمراء سرايا الجهاد، ووجدت أمريكا ضالتها فيهم في الوقت الذي ظهرت فيه تباشير ميلاد القاعدة على يد الملياردير أسامة بن لادن، والذي تحدثنا عنه في الحلقة الماضية، وقامت القاعدة برئيسها ونائبه وممثلوها في الداخل الأفغاني وخارجه، ومن ثم فتح باب الارتزاق الجهادي بين مد وجزر بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية حتى قتل رئيسها أسامة بن لادن،كما ذكرنا في الحلقة الماضية.
قامت الولايات المتحدة بغزو العراق في عام2003،ولم تستفد أمريكا من خبرات بريطانيا في إدارة المستعمرات بل قصفت المتاحف والمكتبات العامة وفتحت الباب على مصراعيه للصوص والمرتزقة لنهب الآثار والكتب النادرة، وهو المنهج الذي انتهجته طالبان في تعاملها مع الآثار في أفغانستان، ومن جراء هذه الفوضى أخذت الوكالات التي تسير هذه المجموعات تنظر إلى العراق من خلال العملاء على أنه البديل الخصب لأفغانستان الفقيرة المنهكة، من جانب،ولأن البلدان الحرة ذات الحكومات القائمة القادرة على مكافحة هذه الآفة استيقظت وكشفت زيف وألاعيب هذه المنظمات المرتزقة، فحمت حدودها وكثفت من أمنها،فلا مجال لها إلا أن تتعامل مع الخونة في العراق وسوريا،الذين مدوهم بكل ما يحتاجون إليه، وأصدروا الأوامر بعدم التعرض لهم وترك كل العتاد والعدة لهم ليظهروا باسم جديد، الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وهذا عنوان فني يسهل اللعب عليه لجذب تعاطف السذج والمغفلين، فيبيح قتل كل من ليس من المسلمين باسم الإسلام، عنوان في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب والكذب،أما رجال السياسة والعلم والمثقفين فقد اكتشفوا زيفه، ولدغوا من قبل (والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين)، يذكر عبد العزيز المهنا أن القاعدة صنعتها أمريكا كعصابة تقاتل الوجود السوفيتي في أفغانستان، وكان العرب في الغالب هم المادة البشرية لهذه العصابة، وقد نجح رئيسها بن لادن وكسب شعبية في ذلك الوقت، في الوسطين- الشعبي والديني- وما يظهر حدث يهز البلاد في العالم إلا وتجد هذه المنظمة بعصاباتها فيها، مثل: الشيشان ضد الجيش الروسي، فقاتلوا فيها بخبرتهم في القتال في الجبال، وهو مكتسب من الجغرافية الأفغانية، وتكونت مجموعة من الشيشانيين داخل الفصائل العربية المقاتلة انضمت إلى الفصائل في العراق وسوريا،مما كان له الأثر البالغ على الحرب في هذين البلدين. فما تضع الحرب أوزارها في بلد حتى ينتقل مقاتلوها إلى بلد آخر يحملون خبراتهم معهم ويعلمونها للآخرين. فمن البوسنة والهرسك إلى التخريب والترويع في بلدان أخرى كجس نبض، وإثارة قلقلة، وتجريد البلدان من مسمياتها المعروفة والمسجلة في الأمم المتحدة إلى أسماء تاريخية اصطلحوا عليها بينهم،مثل :بلاد الرافدين، وبلاد الشام، شمال أفريقيا وبلاد الزنج، وغيرها. كما صنعت القاعدة لها فروعاً في عدد من البلدان (داعش، بوكوحرام،المرابطون) وغير ذلك، ولها فروع في اليمنوالخليج، والجزيرة العربية بشكل عام، وهي خلايا نائمة.