د. سلطان سعد القحطاني
تعتبر حقبة الثمانينات الميلادية من القرن الماضي حقبة مهمة للغاية وتحولات مهمة في تاريخ الثقافة السعودية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة، فقد ظهر في تلك الحقبة وجه الأدب السعودي، كما ينبغي له أن يكون وظهر المبدعون والنقاد، وكانت المعارك الأدبية التي ظهرت فيه بادرة تطور وتأسيس جعل العالم يحتفي بهذا النوع من الأدب، لم يأت ذلك من فراغ بل جاء من نتاج تلك الحقبة وما كان قبلها مخزوناً ينتظر من يبعثه، فظهر فيها أسماء عرفها كل متابع للحركات الثقافية في العالم العربي وحتى الجامعات الغربية ومن خلال الدراسات الأكاديمية التي عملت فيها لأول مرة وكانت دهشة كبيرة لتلك الجامعات من بلد عرف بالشعر كموروث ثقافي قديم حتى أثبت الباحثون حقيقة هذا الأدب الذي لم يلتفت إليه أحد من قبل، وما كان يعرف في العالم غير الأدب الشامي والمصري على وجه الخصوص، واعتمد الباحثون في الدراسات العليا ذلك النتاج بالطرق العلمية المقنعة بما لا يقبل للشك مجالاً من حيث غزارة الإنتاج ونضج بعضه الفني خاصة الرواية.
وكان إعلان نادي جدة الأدبي الثقافي في دورته الرابعة عشرة هذا العام لتكون حقبة الثمانينات (1400/1980) محور الملتقى لمدة عشر سنوات سمان، بادرة تستحق الإشادة بجهود هيئة النادي من الأعضاء لما قدموه من لفتة كريمة لهذه الحقبة المهمة التي بدأت من نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي الهجريين بعد مدة تقترب من ثلاثة عقود وكادت تنسي هذه الفترة المهمة من تاريخ الحياة الثقافية في المملكة كثيراً من المتابعين.
فكان استبشارنا بهذه الحقبة وإحيائها كبيراً لما لها من أهمية قصوى، ففيها تأسست الأندية الأدبية وقامت بدور كبير كان المبدع -أياً كان- ينتظرها، فقبل ذلك كان يتجشم عناء السفر والتكاليف التي لا يستطيعها كثير منهم، وإذا استطاع فكيف يوزع إنتاجه، هذه معضلة أكبر وإن كان توزيع الأندية ما يزال قاصراً إلا من عقد شراكة مع بعض دور النشر التي تهتم بحضور المعارض الدولية وهذا موضوع يطول الحديث فيه، وإضافة إلى ما ذكرنا ظهر جيل موهوب من المبدعين من خريجي الجامعات السعودية وغيرها استطاع أن يثبت وجوده في الحقل الإبداعي إضافة إلى النقاد الذين ظهر إنتاجهم الفكري والنقدي كنتيجة لهذه الحقبة.
قدم الباحثون في هذا الملتقى بحوثاً وقراءات متعددة قليل منها ما غطى هذه الحقبة، كما تكررت أسماء كثيرة -على أهميتها- لكن هناك من هو أهم لم يذكر، هذا من ناحية الحقبة المدروسة التي حددها النادي، أما من ناحية المنهجية فهناك أوراق لم أجد فيها منهجية كلها رصد (والله أعلم) ولا أستطيع أن أحكم عليها من خلال دقائق محدودة ولكن أملي فيها أن تكون جيدة بعد قراءتها، لكن اعتراضي على خروجها عن الخط الذي حدده النادي لحقبة ما تزال أهم حقبة عرفها الأدب السعودي وعُرف من خلالها بشقيه (الإبداعي والنقدي) وكان الأجدر بنا أن نركز عليها بما لها وما عليها ولا نضيع الوقت والجهد في غيرها، هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى نتمسك بالمنهج المرسوم لنخرج بنتائج تقويمية لهذه الحقبة، ولعل ما أبحث عنه أجده بعد خروج الأبحاث مطبوعة في مجلة النادي (علامات) فالحكم على عشر دقائق لكل مشارك وكثرة المشاركين في كل جلسة أمر فيه إجحاف لا نرضاه لنا جميعاً، مع شكري وتقديري للنادي الذي ما يزال ينبض بالحياة في زمن أفلست فيه كثير من الأندية، وبعضها لم يسجل في تاريخه اكثر من دورات ليس مجالها ناد أدبي. فلو لم يقدم نادي جدة الأدبي إلا قراءة النص في دوراته لكفاه. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.