د.محمد الشويعر
واستكمالاً لما تحدثنا عنه في الأسبوع الماضي، من توجيهات للشباب، فإن كل ما يتعلق بالوطن من جميع الأعمال، أمراً ونهياً وعملاً، وعلى جميع من يدعي المحبة وجوب تحقيق ذلك بأمر محسوس، من حيث حفظ اللسان عما يناقض هذه المحبة،
وردع نزعات النفس، أو الاستماع لمن يريد التغرير بالشباب ليفسد ولاءهم مستغلاً محدودية فكرهم.
لأن الواجب تنمية محبة ولاة الأمر، التي يبرز أثرها في العمل، وردّ الشبهات، والدعاء لهم بالتوفيق والإعانة، قدوة بما فهمه علماء الإسلام منذ عهد الصحابة: سمعاً وطاعة، واستجابة ووفاء، إذ قال الصحابة لما بدأت تبرز الفتنة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أطيعوهم ما أطاعوا الله فيكم، وأطيعوهم ما أقاموا الصلاة فيكم). ونموذج الامتثال ما حصل من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، الذي سجن وأوذي في فتنة القول بخلق القرآن، عندما طلب منه أن يدعو عليهم، فقال: لا لو أن لي دعوة مستجابة لصرفتها لولي الأمر، لأن صلاحه صلاح للأمة.
والشباب القدوة في المجتمع، فلا يجب أن يصرفهم صارف عن إبراز محبة الوطن المقرونة بالولاء لولاة الأمر، لأن من الولاء لهم: الطاعة والانقياد لتوجيهاتهم والسمع والاستجابة لما يصدر عنهم في كل أمر ينظمونه؛ لأنه لك أيها الشاب لتتبصر به وتنتفع أنت ومن حولك من المواطنين به، فتكون معيناً في التفهيم وتوضيح الفوائد، لمن كان جاهلاً، مع المقارنة بما لدى الآخرين.. وبضدها تتميز الأشياء.
يقول عليه الصلاة والسلام (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله. ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني)، البخاري برقم (7137) عن أبي هريرة.
وإن من محبة الله والولاء له محبة ولي الأمر وطاعته، ولاء وبراءة من غيره، ورداً لآراء المغرضين في أمور البلاد وقيادتها. وحق الوطن له مفهومان: البلدة التي نشأ فيها الشخص ولادة وصحبة، وتربى في ربوعها، وهذه تعتبر في اصطلاح بعض الناس: الأم الصغرى، كحب المجنون لديار ليلى، والوطن بشموليته وهو الدولة (المملكة العربية السعودية) التي مكن الله لها، ويتعاقب عليها ولاة الأمور، كابراً بعد كابر، ليرعوا مصالح العباد فيها، ويديروا أوضاعها، ببيعة شرعية مع الشعب: وفاء بعهد وعملاً بوعد.
وهؤلاء هم الذين أمر الله سبحانه وتعالى بطاعتهم، وشدد رسول الله صلى الله عليه وسلم على طاعتهم، والالتزام ببيعتهم، ولا يستقر أي أمر في بلد من البلدان إلا مع الوفاء لبيعة بصفقة يمين بالسمع والطاعة، والأمر الشرعي يوجب الالتزام بها وفاء مع الله، لأنها بيعة وعهد أمر الله بالوفاء به، ويحرم نقضها، حيث قال الرسول الكريم (من مات وليس في عنقه بيعة لولي الأمر مات ميتة جاهلية) مسلم برقم (1851).
كما عاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر زاجر في حديث رواه مسلم لمن نقض العهد، وأراد تفريق الجماعة: عقاباً دنيوياً، وجزاء شديداً أخروياً؛ لأن المنظور الشرعي أيها الشاب لهذه المحبة المرتبطة بالوطن بشموليته (الأم الكبرى) حسب المفهوم السائد، الذي يعني (المملكة العربية السعودية) الالتزام بفكر سليم، وعقيدة راسخة، باليقين والعمل، لا بالقول.
لأن المحبة الشرعية لا تخضع للأهواء والرغبات الشخصية؛ إذ لا تكون وراءها مصالح خاصة {فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} سورة التوبة، الآية 58، كما هي حال المنافقين، الذين فضحهم الله في سورة التوبة.
وما ذلك إلا لأن المحبة الشرعية التي هي عبادة مع الله أولاً، ثم مع ولاة الأمر، ثباتاً في المنشط والمكره، وتعاوناً على حفظ أمن الوطن: حراسة محكمة حتى لا ينفذ العدو من بعض الثغرات، تقتضي أن تكون عيناً ساهرة لمصلحة الأفراد والجماعات، لذا يجب عليك أيها الشاب ألا تغير هذه المحبة، بما يقدح فيها، من أسباب ذاتية، مقترنة بطلب منافع، وبمظاهر مصطنعة، أو الخروج على الجماعة.
وإذا كان قد جاء على الألسنة، هذا القول: حب الوطن من الإيمان، فإن هذا مدخل عقدي للمنظور الشرعي قد انتصر له بعضهم بأنه من باب لا يحب الوطن إلا مؤمن، لأن حب الوطن لا ينافي الإيمان، ولا يخفى أن حب الوطن لا ينافي كمال الإيمان.